الجمع بين الخوف والرجاء - لفضيلة الشيخ ابن عثيمين في شرح كتاب رياض الصالحين
2 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
الجمع بين الخوف والرجاء - لفضيلة الشيخ ابن عثيمين في شرح كتاب رياض الصالحين
اعلم أن المختار للعبد في حال صحته أن يكون خائفاً
راجياً ، ويكون خوفه ورجاؤه سواء ، وفي حال المرض يمحض الرجاء .
وقواعد
الشرع من نصوص الكتاب والسنة وغير ذلك متظاهرة على ذلك ،
قال الله تعالى : (
فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ
الْخَاسِرُونَ) [االأعراف: 99] . وقال تعالى : ( إِنَّهُ لا يَايْئسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ
الْكَافِرُونَ ) [يوسف: 87] . وقال تعالى : ( يَوْمَ
تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ ) [آل عمران:106] وقال تعالى : (
إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ
رَحِيمٌ ) [الأعراف: 167] . وقال تعالى : ( إِنَّ
الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ) (13) وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ )
[الانفطار:13 ، 14] . وقال تعالى : ( فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ
مَوَازِينُهُ (6) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (7) وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ
مَوَازِينُهُ ( فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ ) [القارعة: 6، 9] . والآيات في هذا
المعنى كثيرة . فيجتمع الخوف والرجاء في آيتين مقترنتين أو آيات أو آية
.
1/443 ـ وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله قال: (( لو يعلم المؤمن ما عند الله من العقوبة ، ما طمع بجنته أحد ، ولو
يعلم الكافر ما عند الله من الرحمة ، ما قنط من جنته أحد )) رواه
مسلم(295) .
2/444 ـ وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله قال :
(( إذا وضعت الجنازة واحتملها الناس أو الرجال على أعناقهم ،
فإن كانت صالحة ، قالت : قدموني قدموني ، وإن كانت غير صالحة ، قالت يا ويلها ! أين
تذهبون بها ؟ يسمع صوتها كل شيء إلا الإنسان ، ولو سمعه صعق )) رواه البخاري
(296) .
3/445 ـ وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله : ((
الجنة أقرب إلى أحدكم من شراك نعله ، والنار مثل ذلك ))
رواه البخاري(297) .
الـشـرح
قال المؤلف ـ رحمه الله
تعالى ـ: باب الجمع بين الخوف والرجاء ، وتغليب الرجاء في حال المرض .
هذا الباب قد اختلف فيه العلماء هل الإنسان يغلب جانب الرجاء أو جانب
الخوف ؟ .
فمنهم من قال : يغلب جانب الرجاء مطلقاً ، ومنهم من قال :
يغلب جانب الخوف مطلقاً .
ومنهم من قال ينبغي أن
يكون خوفه ورجاؤه سواء ، لا يغلب هذا على هذا ، ولا هذا على هذا ؛ لأنه إن غلب جانب
الرجاء ؛ أمن مكر الله ، وإن غلب جانب الخوف ؛ يئس من رحمة الله
.
وقال بعضهم : في حال الصحة يجعل رجاءه وخوفه واحداً كما
اختاره النووي رحمه الله في هذا الكتاب ، وفي حال المرض يغلب الرجاء أو
يمحضه .
وقال بعض العلماء أيضاً : إذا كان في طاعة ؛ فليغلب الرجاء ، وأن الله يقبل منه ، وإذا كان فعل
المعصية ؛ فليغلب الخوف ؛ لئلا يقدم على المعصية .
والإنسان ينبغي له أن
يكون طبيب نفسه ، إذا رأى من نفسه أنه أمن من مكر الله ، وأنه مقيم على
معصية الله ، ومتمنٍ على الله .الأماني ، فليعدل عن هذه الطريق ، وليسلك طريق
الخوف .
وإذا رأى أن فيه وسوسة ، وأنه يخاف بلا موجب ؛ فليعدل عن
هذا الطريق وليغلب جانب الرجاء حتى يستوي خوفه ورجاؤه .
ثم ذكر
المؤلف ـ رحمه الله ـ آيات جمع الله فيها ذكر ما يوجب الخوف ، وذكر ما يوجب الرجاء
، ذكر فيها أهل الجنة وأهل النار، وذكر فيها صفته عز وجل وأنه شديد العقاب وأنه
غفور رحيم .
وتأمل قوله تعالى : ( اعْلَمُوا أَنَّ
اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (98) مَا عَلَى
الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ ) [المائدة: 98 ، 99] ؛ حيث إنه في مقام
التهديد والوعيد قدم ذكر شدة العقاب (اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ
شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) .
وفي حالة
تحدثه عن نفسه وبيان كمال صفاته قال : ( نَبِّئْ عِبَادِي
أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (49) وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ
الْأَلِيمُ ) [الحجر: 49 ، 50] ؛ فقدم ذكر المغفرة على
ذكر العذاب ؛ لأنه يتحدث عن نفسه عز وجل ، وعن صفاته الكاملة ورحمته التي سبقت غضبه
.
ثم ذكر المؤلف أحاديث في هذا المعنى تدل على أنه يجب على الإنسان أن
يجمع بين الخوف الرجاء ، مثل قول النبي : (( لو يعلم المؤمن
ما عند الله من العقوبة ؛ ما طمع بجنته أحد ))
والمراد لو
يعلم علم حقيقة وعلم كيفية لا أن المراد لو يعلم علم نظر وخبر ؛ فإن المؤمن يعلم ما
عند الله من العذاب لأهل الكفر والضلال ، لكن حقيقة هذا لا تدرك الآن ، لا يدركها
إلا من رقع في ذلك ـ أعاذنا الله وإياكم من عذابه .
(( ولو يعلم الكافر ما عند الله من الرحمة ، ما قنط من جنته أحد
)) ، والمراد حقيقة ذلك ، وإلا فإن الكافر يعلم أن الله غفور رحيم ، ويعلم
معنى المغفرة ، ويعلم معنى الرحمة .
وذكر المؤلف أحاديث في معنى ذلك مثل
قوله: ((الجنة أقرب إلى أحدكم من شراك نعله ، والنار مثل ذلك)).
شراك النعل يضرب به المثل في القرب ؛ لأن الإنسان لا
بس نعله ، فالجنة أقرب إلى أحدنا من شراك نعله ؛ لأنها ربما تحصل للإنسان بكلمة
واحدة ، والنار مثل ذلك ، ربما تحدث النار بسبب كلمة يقولها القائل ، مثل الرجل
الذي كان يمر على صاحب معصية فينهاه ويزجره ، فلما تعب قال : والله لا يغفر الله
لفلان .
فقال الله تعالى : (( من ذا الذي يتألى علىَ
ألا أغفر لفلان ؛ قد غفرت له وأحبطت عملك )) (298)، قال أبو هريرة : تكلم
بكلمة أوبقت دنياه وآخرته .
فالواجب على الإنسان أن يكون طبيب نفسه في كونه
يغلب كونه الخوف أو الرجاء ، إن رأى نفسه تميل إلى الرجاء وإلى التهاون بالواجبات
وإلى انتهاك المحرمات استناداً إلى مغفرة الله ورحمته ؛ فليعدل عن هذا الطريق ، وإن
رأى أن عنده وسواساً ، وأن الله لا يقبل منه ؛ فإنه يعدل عنه هذا الطريق .
hicham
مسؤول ادارة المنتدى
مصمم خاص للمنتدى-
عدد المساهمات : 728
نقاط : 10432
تاريخ التسجيل : 25/01/2009
الموقع : www.alokab.alafdal.net
رد: الجمع بين الخوف والرجاء - لفضيلة الشيخ ابن عثيمين في شرح كتاب رياض الصالحين
جزاك الله خير الجزاء على الموضوع المميز
salim- عضو جديد
-
عدد المساهمات : 16
نقاط : 5415
تاريخ التسجيل : 21/02/2010
مواضيع مماثلة
» رياض الصالحين
» ╗◄اربعة مواضيع لفضيلة الشيخ محمد حسان►╔ من رفعي
» ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة
» جميع الدروس و السلاسل الصوتية لفضيلة الشيخ محمد العريفي حفظه الله
» الجمع بين أحاديث ظاهرها التعارض !!
» ╗◄اربعة مواضيع لفضيلة الشيخ محمد حسان►╔ من رفعي
» ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة
» جميع الدروس و السلاسل الصوتية لفضيلة الشيخ محمد العريفي حفظه الله
» الجمع بين أحاديث ظاهرها التعارض !!
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى