من المصادر الأصلية للسيرة النبوية: الحديث النبوي الشريف
صفحة 1 من اصل 1
من المصادر الأصلية للسيرة النبوية: الحديث النبوي الشريف
بسم الله الرحمن الرحيم
لقد عُنيت كتبُ الحديث بجمع أقوال
الرَّسُولِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- وأفعالِهِ
وتقريراتِهِ وصفاتِهِ الخَلْقية والخُلُقية. وتناول بعضُها طَرَفاً من سيرتِهِ ومغازيه وسراياه
وبعوثِهِ، سواء كانتْ أبواباً ضمن كتبِهم أو رواياتٍ مبثوثةً في ثنايا كل أبوابِ
كتبِهم. وتتفاوت درجةُ الاهتمامِ بأبحاثِ السِّيرة بين كتابٍ
وآخر.
فنجدُ
البُخاريّ – مثلاً- يهتمُّ بسيرةِ الرَّسُولِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-
فيُفرد كُتُب
1 وأبواباً من جامعِهِ
الصَّحيحِ لسيرتِهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- قبلَ مبعثِهِ وبعده، ومغازيه
وسراياه وبعوثِهِ، ومكاتباتِهِ، وفضائل أصحابِهِ، وزوجاتِهِ، بالإضافةِ إلى ما هو
مبثوثٌ من أحداثِ السِّيرةِ ضمن مرويَّاتِ كتبِ وأبوابِ جامعِهِ الصَّحيحِ.
والمتأمِّلُ في شروح
وحواشي صحيح البُخاريّ يقف على حقيقةٍ هامةٍ حولَ هذا الكتابِ، وهي أنَّ البُخاريّ
كاد أنْ يُغطِّيَ أبرزَ أحداثِ سيرةِ الرَّسُولِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-.
وكذلك الإمام مسلمٌ، فقد أفرد كتباً وأبواباً من صحيحه
للحديثِ عن سيرتِهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-، ومثالُ ذلك كتب: الجهاد
والسِّيَر، فضائل النَّبيِّ- صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-، فضائل الصَّحابة -رضي
الله عنهم-، الإمارة. بالإضافة إلى المرويات الكثيرةِ المبثوثةِ في ثنايا الأبوابِ
الأُخرى من صحيحه. وهو ما ستلحظه واضحاً عند قراءة صحيح مسلم، أو إذا ألقيت نظرة
عاجلة على شروحه حواشيه.
وقد استدرك الإمامُ الحاكمُ النيسابوريُّ أحاديثَ لم يذكرها
البُخاريّ ومسلمٌ، وهي حسب معياره على شرطِهما أو على شرطِ أحدهِما. وقد تتبعه
الإمامُ الذَّهبيّ فوافقه في كثيرٍ ولم يوافقْهُ في بعضِها وسكت عن بعضِها، وجاء من
بعدهما من تتبعهما ولم يُوافقهما في بعض الأحاديث. وفي هذا المستدرك قسمٌ خاصٌّ
بالمغازي والسِّيَرِ، بالإضافة إلى الأحاديثِ الأُخرى المبثوثةِ في ثناياهُ ذات
العلاقةِ المباشرةِ بأحداثَ كثيرةٍ من السِّيرةِ.
أما كتب السُّنن الأربعةِ؛ فأكثرُها ذِكْراً للسِّيرةِ جامعُ
الإمامِ التِّرمذيّ، وبخاصة في أبواب
المناقب.
ويليه كتابُ "سنن أبي
داود"، ثم كتاب "سنن ابن ماجه"،و بخاصة كتاب الجهاد، ثم "سنن
النَّسائيِّ".
ويُضافُ إلى ما سبق،
فقد حفلَ كتابُ "السُّنن الكبرى" للبيهقيِّ بمادةٍ مُعتبرةٍ في السِّيرةِ.
أما كتبُ المسانيد،
فيتربَّعُ على قِمَّتِها "مسند الإمام أحمد"، ويبدو لك
جلياً غزارةُ مادةِ السِّيرةِ فيه , إذا نظرتَ في "كتاب
الجهاد" منه بالمجلد رقم 13، و"كتاب السِّيرةِ
النَّبَويَّةِ" بالمجلدات: 20، 21، 22 و"كتاب
المناقب" بالمجلد رقم 22، بترتيب البنا السَّاعاتي، المعروف بـ (الفتح الربانيّ لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشَّيبانيّ)
ولا شك أنَّها أغزرُ مادةٍ في السِّيرةِ وُجدتْ في كتابِ حديثٍ. والمتأمل في
المجلدَّاتِ المذكورةِ ، سوف يقفُ على هذه الحقيقةِ، وليس هذا بغريبٍ في كتابٍ
ضخمٍ-المسند- قيلَ إنَّهُ ضَمَّ بين دفتيه نحو ثلاثين أو أربعين ألف حديث، قيلَ مع
المكرر, وقيلَ من دُونِ المكرر.
هل كل ما ورد في كتب الحديث عن السيرة صحيح
؟
ليستْ كلُّ كتبِ
الحديث على درجةٍ واحدةٍ من الالتزامِ بروايةِ الصَّحيحِ. فكما هو معروفٌ
كانَ على رأسِ مَن التزمَ الصِّحَّة في مرويَّاتِهِ الإمامانِ الشَّيخانِ البُخاريّ
ومسلمٌ. ولذا يتعيَّنُ على المرء أنْ ينظرَ في أسانيدِ كتبِ السُّنن والمسانيدِ
والمستدركاتِ وغيرِها من كتب الحديثِ التي التزمتْ الإسنادَ، فيُقبل ما هو
صحيحٌ أو حسنٌ، فيُحتجُّ به، وإذا استأنس بالضَّعيف فيما دون ذلك، فعليه أن يكون
عالماً بذلك منبهاً عليه.
ومن نعم الله على
عباده أن قيضَّ لهذه الكتبِ مَن يقومُ بخدمتِها – قديماً وحديثاً-؛ ولذا ترى أنَّ
معظم الأحاديث في السِّيرةِ وغيرِها قد حكمَ عليه الأئمةُ وبيَّنُوا مرتبتَهُ، وهو
ما ستلمسه عند مطالعتِك في هذه الكتبِ.
وقد أُلِّفتْ كتبٌ خاصة تخدم كتبَ
الحديثِ، وهي كتبُ التراجمِ والطَّبقاتِ والمعاجم. والمتتبع لكتب الطَّبقاتِ
التي تناولت تراجم الصَّحابة والتَّابعين وتابعي التابعينَ، ورُواة الأحاديث، سيجد
فيها كثيراً من الأحاديث التي تتعلق بالسِّيرة، والتي يمكن تقويمها للاحتجاج
بالصحيح والحسن منها، مثل: "طبقات ابن سعد" و"الإصابة" لابن حجر, و"الاستيعاب"
لابنِ عبدِ البر, و"أُسْد الغابة" لابن الأثير و"معاجم الطبراني الثلاثة"، وهو ما
ستراهُ واضِحاً عند قراءتِك في هذه الكُتُبِ. 2
ويقولُ الدكتور أكرم ضياء العمري -عن أهمية كتب
الحديث في دراسة السِّيرة النَّبَويَّة- :"أمَّا عن أهميةِ الحديثِ
في دراسةِ السِّيرةِ المطهَّرةِ، فإنَّ الأحاديثَ تُوضِّحُ العقائدَ والآدابَ
الإسلاميةَ، وتُبيِّنُ أحاديثُ الأحكامِ النَّواحيَ العباديةَ والتَّشريعيةَ من
صومٍ وصلاةٍ وحجٍّ وزكاةٍ ونُظُمٍ سياسيةٍ وماليةٍ وإداريةٍ، ولا يُمكن تكاملُ تصور
الإسلام إلا بمعرفة الحديث، ولكل هذه الجوانب التي تناولتها الأحاديث صلة
بالحياة الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والإدارية في عصر النَّبيِّ -صلَّى اللهُ
عليهِ وسَلَّمَ-، وما تلاه؛ لأنَّ المسلمين التزمُوا بتطبيق (السنة) في حياتهم إلى
حدٍّ كبير.
وكذلك فإنَّ بعض مُصنَّفات
الحديث تُخصص قسماً للمغازي والسير مثل صحيح البُخاريّ 3
.
ولا شكَّ أن مادة السِّيرة في كتب
الحديث موثَّقة يجبُ الاعتمادُ عليها وتقديمُها على رواياتِ كتب المغازي
والتواريخ العامة، وخاصة إذا أوردتها كتبُ الحديث الصحيحة؛ 4
لأنها ثمرة جهود جبارة قدَّمها المحدِّثون عند تمحيص الحديث ونقدِهِ
سَنَداً ومَتْناً، وهذا التَّدقيقُ والنَّقدُ الذي حَظِيَ به الحديثُ لم
تحظَ به الكتبُ التَّاريخيةُ، ولكن ينبغي التفطن إلى أنَّ كتب الحديث – بحكم
عدم تخصصه
5 - لا تُورد تفاصيلَ المغازي
وأحداث السِّيرةِ, بل تقتصرُ على بعضِ ذلكَ، مما ينضوي تحتَ شرط المؤلَِّف أو وقعت
له روايتُهُ، ومِن ثَمَّ فإنها لا تُعطي صورةً كاملةً لما حدث وينبغي إكمالُ
الصُّورةِ مِنْ كتب السِّيرةِ المختصَّةِ، وإلا فقد يُؤدِّي ذلك إلى لبسٍ
كبيرٍ.
وبسببِ ترتيبِ الأحاديثِ في كتبِ الحديثِ؛ إمَّا على
الرُّواةِ من الصَّحابة مثل كتبِ المسانيدِ؛ ومن أجلِّها "مسند الإمام أحمد بن
حنبل", أو على المواضيعِ مثل الكتبِ السِّتةِ، دُونَ مُراعاةِ عنصرِ الزَّمنِ في
كِلا الترتيبين، لذلكَ تبرزُ أمامَ البحثِ صعوبةُ تحديدِ الأحاديثِ زَمنياً على
أنَّ كتبَ السِّيرِ والتَّاريخ المرتَّبة على السِّنين تسدُّ هذا النَّقصَ في كثيرٍ
من الحالاتِ.
إنَّ أقدمَ كتبِ الحديثِ
الشَّاملةِ التي وصلتْ إلينا هي "موطأ مالك" و"صحيحا البُخاريّ ومسلم" و"سنن أبي
داود" و"التِّرمذيّ" و"النسائي" و"ابن ماجه" و"مسند الدارمي" و"مسند أحمد بن
حنبل"
6 .
ويحاولُ المستشرقون المغرضون
وأتباعُهم من المسلمين الذين رقَّ دينُهم، وفُتنوا بالغرب وعلمائِهِ أنْ يُشككوا في
صحةِ ما بين أيدينا من كتب السُّنَّةِ المعتمدة، لينفذُوا منها إلى هدمِ
الشَّريعةِ، والتَّشكيك بوقائعِ السِّيرةِ، ولكن الله الذي تكفَّلَ بحفظِ دينِهِ قد
هيَّأ لهم مَن يَردُّ سهامَ باطِلهم، وكيدِهم إلى نحورِهم 7
.
1
- مثل كتاب المغازي وكتاب المناقب
وغيرها.
2
-راجع:" السِّيرة
النَّبَويَّة في ضوء المصادر الأصلية": د. مهدي رزق الله أحمد.(17-
19).
3
- تقدم الكلام على هذا بأوسع مما
هنا.
4
-
كالصحيحين.
5
- في المغازي
والسير, وهذا في الغالب , و إلا في بعض الأحيان يرد فيها تفاصيل ليست في كتب
المغازي.
6
- انظر السِّيرة
النَّبَويَّة الصحيحة د.أكرم ضياء العمري (1/49- 51).
7
- انظر السِّيرة
النَّبَويَّة دروس وعبر د.مصطفى السباعي ص(14-
15).
لقد عُنيت كتبُ الحديث بجمع أقوال
الرَّسُولِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- وأفعالِهِ
وتقريراتِهِ وصفاتِهِ الخَلْقية والخُلُقية. وتناول بعضُها طَرَفاً من سيرتِهِ ومغازيه وسراياه
وبعوثِهِ، سواء كانتْ أبواباً ضمن كتبِهم أو رواياتٍ مبثوثةً في ثنايا كل أبوابِ
كتبِهم. وتتفاوت درجةُ الاهتمامِ بأبحاثِ السِّيرة بين كتابٍ
وآخر.
فنجدُ
البُخاريّ – مثلاً- يهتمُّ بسيرةِ الرَّسُولِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-
فيُفرد كُتُب
1 وأبواباً من جامعِهِ
الصَّحيحِ لسيرتِهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- قبلَ مبعثِهِ وبعده، ومغازيه
وسراياه وبعوثِهِ، ومكاتباتِهِ، وفضائل أصحابِهِ، وزوجاتِهِ، بالإضافةِ إلى ما هو
مبثوثٌ من أحداثِ السِّيرةِ ضمن مرويَّاتِ كتبِ وأبوابِ جامعِهِ الصَّحيحِ.
والمتأمِّلُ في شروح
وحواشي صحيح البُخاريّ يقف على حقيقةٍ هامةٍ حولَ هذا الكتابِ، وهي أنَّ البُخاريّ
كاد أنْ يُغطِّيَ أبرزَ أحداثِ سيرةِ الرَّسُولِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-.
وكذلك الإمام مسلمٌ، فقد أفرد كتباً وأبواباً من صحيحه
للحديثِ عن سيرتِهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-، ومثالُ ذلك كتب: الجهاد
والسِّيَر، فضائل النَّبيِّ- صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-، فضائل الصَّحابة -رضي
الله عنهم-، الإمارة. بالإضافة إلى المرويات الكثيرةِ المبثوثةِ في ثنايا الأبوابِ
الأُخرى من صحيحه. وهو ما ستلحظه واضحاً عند قراءة صحيح مسلم، أو إذا ألقيت نظرة
عاجلة على شروحه حواشيه.
وقد استدرك الإمامُ الحاكمُ النيسابوريُّ أحاديثَ لم يذكرها
البُخاريّ ومسلمٌ، وهي حسب معياره على شرطِهما أو على شرطِ أحدهِما. وقد تتبعه
الإمامُ الذَّهبيّ فوافقه في كثيرٍ ولم يوافقْهُ في بعضِها وسكت عن بعضِها، وجاء من
بعدهما من تتبعهما ولم يُوافقهما في بعض الأحاديث. وفي هذا المستدرك قسمٌ خاصٌّ
بالمغازي والسِّيَرِ، بالإضافة إلى الأحاديثِ الأُخرى المبثوثةِ في ثناياهُ ذات
العلاقةِ المباشرةِ بأحداثَ كثيرةٍ من السِّيرةِ.
أما كتب السُّنن الأربعةِ؛ فأكثرُها ذِكْراً للسِّيرةِ جامعُ
الإمامِ التِّرمذيّ، وبخاصة في أبواب
المناقب.
ويليه كتابُ "سنن أبي
داود"، ثم كتاب "سنن ابن ماجه"،و بخاصة كتاب الجهاد، ثم "سنن
النَّسائيِّ".
ويُضافُ إلى ما سبق،
فقد حفلَ كتابُ "السُّنن الكبرى" للبيهقيِّ بمادةٍ مُعتبرةٍ في السِّيرةِ.
أما كتبُ المسانيد،
فيتربَّعُ على قِمَّتِها "مسند الإمام أحمد"، ويبدو لك
جلياً غزارةُ مادةِ السِّيرةِ فيه , إذا نظرتَ في "كتاب
الجهاد" منه بالمجلد رقم 13، و"كتاب السِّيرةِ
النَّبَويَّةِ" بالمجلدات: 20، 21، 22 و"كتاب
المناقب" بالمجلد رقم 22، بترتيب البنا السَّاعاتي، المعروف بـ (الفتح الربانيّ لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشَّيبانيّ)
ولا شك أنَّها أغزرُ مادةٍ في السِّيرةِ وُجدتْ في كتابِ حديثٍ. والمتأمل في
المجلدَّاتِ المذكورةِ ، سوف يقفُ على هذه الحقيقةِ، وليس هذا بغريبٍ في كتابٍ
ضخمٍ-المسند- قيلَ إنَّهُ ضَمَّ بين دفتيه نحو ثلاثين أو أربعين ألف حديث، قيلَ مع
المكرر, وقيلَ من دُونِ المكرر.
هل كل ما ورد في كتب الحديث عن السيرة صحيح
؟
ليستْ كلُّ كتبِ
الحديث على درجةٍ واحدةٍ من الالتزامِ بروايةِ الصَّحيحِ. فكما هو معروفٌ
كانَ على رأسِ مَن التزمَ الصِّحَّة في مرويَّاتِهِ الإمامانِ الشَّيخانِ البُخاريّ
ومسلمٌ. ولذا يتعيَّنُ على المرء أنْ ينظرَ في أسانيدِ كتبِ السُّنن والمسانيدِ
والمستدركاتِ وغيرِها من كتب الحديثِ التي التزمتْ الإسنادَ، فيُقبل ما هو
صحيحٌ أو حسنٌ، فيُحتجُّ به، وإذا استأنس بالضَّعيف فيما دون ذلك، فعليه أن يكون
عالماً بذلك منبهاً عليه.
ومن نعم الله على
عباده أن قيضَّ لهذه الكتبِ مَن يقومُ بخدمتِها – قديماً وحديثاً-؛ ولذا ترى أنَّ
معظم الأحاديث في السِّيرةِ وغيرِها قد حكمَ عليه الأئمةُ وبيَّنُوا مرتبتَهُ، وهو
ما ستلمسه عند مطالعتِك في هذه الكتبِ.
وقد أُلِّفتْ كتبٌ خاصة تخدم كتبَ
الحديثِ، وهي كتبُ التراجمِ والطَّبقاتِ والمعاجم. والمتتبع لكتب الطَّبقاتِ
التي تناولت تراجم الصَّحابة والتَّابعين وتابعي التابعينَ، ورُواة الأحاديث، سيجد
فيها كثيراً من الأحاديث التي تتعلق بالسِّيرة، والتي يمكن تقويمها للاحتجاج
بالصحيح والحسن منها، مثل: "طبقات ابن سعد" و"الإصابة" لابن حجر, و"الاستيعاب"
لابنِ عبدِ البر, و"أُسْد الغابة" لابن الأثير و"معاجم الطبراني الثلاثة"، وهو ما
ستراهُ واضِحاً عند قراءتِك في هذه الكُتُبِ. 2
ويقولُ الدكتور أكرم ضياء العمري -عن أهمية كتب
الحديث في دراسة السِّيرة النَّبَويَّة- :"أمَّا عن أهميةِ الحديثِ
في دراسةِ السِّيرةِ المطهَّرةِ، فإنَّ الأحاديثَ تُوضِّحُ العقائدَ والآدابَ
الإسلاميةَ، وتُبيِّنُ أحاديثُ الأحكامِ النَّواحيَ العباديةَ والتَّشريعيةَ من
صومٍ وصلاةٍ وحجٍّ وزكاةٍ ونُظُمٍ سياسيةٍ وماليةٍ وإداريةٍ، ولا يُمكن تكاملُ تصور
الإسلام إلا بمعرفة الحديث، ولكل هذه الجوانب التي تناولتها الأحاديث صلة
بالحياة الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والإدارية في عصر النَّبيِّ -صلَّى اللهُ
عليهِ وسَلَّمَ-، وما تلاه؛ لأنَّ المسلمين التزمُوا بتطبيق (السنة) في حياتهم إلى
حدٍّ كبير.
وكذلك فإنَّ بعض مُصنَّفات
الحديث تُخصص قسماً للمغازي والسير مثل صحيح البُخاريّ 3
.
ولا شكَّ أن مادة السِّيرة في كتب
الحديث موثَّقة يجبُ الاعتمادُ عليها وتقديمُها على رواياتِ كتب المغازي
والتواريخ العامة، وخاصة إذا أوردتها كتبُ الحديث الصحيحة؛ 4
لأنها ثمرة جهود جبارة قدَّمها المحدِّثون عند تمحيص الحديث ونقدِهِ
سَنَداً ومَتْناً، وهذا التَّدقيقُ والنَّقدُ الذي حَظِيَ به الحديثُ لم
تحظَ به الكتبُ التَّاريخيةُ، ولكن ينبغي التفطن إلى أنَّ كتب الحديث – بحكم
عدم تخصصه
5 - لا تُورد تفاصيلَ المغازي
وأحداث السِّيرةِ, بل تقتصرُ على بعضِ ذلكَ، مما ينضوي تحتَ شرط المؤلَِّف أو وقعت
له روايتُهُ، ومِن ثَمَّ فإنها لا تُعطي صورةً كاملةً لما حدث وينبغي إكمالُ
الصُّورةِ مِنْ كتب السِّيرةِ المختصَّةِ، وإلا فقد يُؤدِّي ذلك إلى لبسٍ
كبيرٍ.
وبسببِ ترتيبِ الأحاديثِ في كتبِ الحديثِ؛ إمَّا على
الرُّواةِ من الصَّحابة مثل كتبِ المسانيدِ؛ ومن أجلِّها "مسند الإمام أحمد بن
حنبل", أو على المواضيعِ مثل الكتبِ السِّتةِ، دُونَ مُراعاةِ عنصرِ الزَّمنِ في
كِلا الترتيبين، لذلكَ تبرزُ أمامَ البحثِ صعوبةُ تحديدِ الأحاديثِ زَمنياً على
أنَّ كتبَ السِّيرِ والتَّاريخ المرتَّبة على السِّنين تسدُّ هذا النَّقصَ في كثيرٍ
من الحالاتِ.
إنَّ أقدمَ كتبِ الحديثِ
الشَّاملةِ التي وصلتْ إلينا هي "موطأ مالك" و"صحيحا البُخاريّ ومسلم" و"سنن أبي
داود" و"التِّرمذيّ" و"النسائي" و"ابن ماجه" و"مسند الدارمي" و"مسند أحمد بن
حنبل"
6 .
ويحاولُ المستشرقون المغرضون
وأتباعُهم من المسلمين الذين رقَّ دينُهم، وفُتنوا بالغرب وعلمائِهِ أنْ يُشككوا في
صحةِ ما بين أيدينا من كتب السُّنَّةِ المعتمدة، لينفذُوا منها إلى هدمِ
الشَّريعةِ، والتَّشكيك بوقائعِ السِّيرةِ، ولكن الله الذي تكفَّلَ بحفظِ دينِهِ قد
هيَّأ لهم مَن يَردُّ سهامَ باطِلهم، وكيدِهم إلى نحورِهم 7
.
1
- مثل كتاب المغازي وكتاب المناقب
وغيرها.
2
-راجع:" السِّيرة
النَّبَويَّة في ضوء المصادر الأصلية": د. مهدي رزق الله أحمد.(17-
19).
3
- تقدم الكلام على هذا بأوسع مما
هنا.
4
-
كالصحيحين.
5
- في المغازي
والسير, وهذا في الغالب , و إلا في بعض الأحيان يرد فيها تفاصيل ليست في كتب
المغازي.
6
- انظر السِّيرة
النَّبَويَّة الصحيحة د.أكرم ضياء العمري (1/49- 51).
7
- انظر السِّيرة
النَّبَويَّة دروس وعبر د.مصطفى السباعي ص(14-
15).
hicham
مسؤول ادارة المنتدى
مصمم خاص للمنتدى-
عدد المساهمات : 728
نقاط : 10432
تاريخ التسجيل : 25/01/2009
الموقع : www.alokab.alafdal.net
مواضيع مماثلة
» اختلاف ألفاظ أحاديث الأربعين النووية عن المصادر الأصلية
» الإحتفال بالمولد النبوي الشريف
» الحديث الشريف
» منزلة الحديث النبوي ومكانته
» أنواع المصنفات في الحديث النبوي
» الإحتفال بالمولد النبوي الشريف
» الحديث الشريف
» منزلة الحديث النبوي ومكانته
» أنواع المصنفات في الحديث النبوي
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى