من طرف المدير الخميس فبراير 11 2010, 19:15
الإحتفال بالمولد النبوي الشريف |
الحمد لله القائل { قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا} والصلاة والسلام على سيدنا محمد صاحب الذكرى العطرة وعلى آله الأطهاروصحبه الأخيار وبعد،
فقد كثر الكلام حول جواز الإحتفال بالمولد النبوي الشريف على صاحبه أفضل الصلاة والسلام مع أنه من الأمور المباحة في الشرع من حيث أنه ليس بعيدٍ مستحدث لأن أعياد المسلمين قد حددها الشرع بعيدي الفطر والأضحى . وليس بعبادة (وإن تخلله بعض أنواعها كالذكر والصلاة على صاحب الذكرى العطرة)، وإنما هو إحتفال مباح بولادة سيد الكائنات صلى الله عليه وسلم، يذّكر الناس بفضائله وخصائصه وكريم خصاله، ويربط قلوبهم بحبه وحب آل بيته الأطهار. ويحثهم على اتباع نهجه وشرعته من خلال الخطب والمواعظ والأناشيد التي تحرك القلوب .
وما أحوجنا في هذا الزمان الذي توسع الناس بالمباحات حتى غلب حب الدنيا على كل عاطفة دينية محركة، وكثرت فيه المحرمات فانغمس الناس في الشهوات حتى علا القلوب الران فلم تعد تفيد فيهم المواعظ ولا تحرك قلوبهم الحكم ، فما أحوجنا في هذا العصر إلى ساعات نفتح فيها قلوبنا التي علاها الصدأ ونسمع لأنغام دافئة تحرك فينا حب الحبيب صلى الله عليه وسلم وتدفعنا للتعلق بآل بيت الأطهار الذي هم كسفينة نوح من تعلق بها نجا ومن تخلف عنها هلك .
يقول الدكتور البوطي: عندما تهب في هذه الذكرى العزيزة علينا مشاعر حبه صلى الله عليه وسلم، وتنشر في نفس المسلم عبق حنينه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ينبغي لكل منا أن يقارن بينه وبين أي واحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم ليرجع وليسائل نفسه عن خطه من سيره على صراط المصطفى صلى الله عليه وسلم، بل ليسائل نفسه عن خطه الحقيقي من مدى محبته لرسول الله صلى الله عليه وسلم . عندما تقف أمام قصة رجل كخبيب بن عدي وقد أُتي به غدراً ليقتل في مكة، ثأراً لبعض قتلى المشركين في غزوة بدر، وعندما يحمل ويوثق بالصليب الذي وضع له، صلب قبل أن يقتل، ثم يأتي من يبضّعه قطعة قطعة، ويقول له وجسمه يبضع وينزف: أتحب يا خبيب أنك آمن في أهلك وأموالك ومحمد في مكانك الساعة؟ فيقول خبيب وهو يبضع ويقطع: والله ما أحب أن أكون في أهلي وأولادي وأن محمداً ليشاك بشوكة. سلوا أنفسكم وقارنوا بين حبنا لرسول الله وبين حب الصحابة له بأبي هو وأمي.
ومن هذا المفهوم فإننا ندعو من منبر موقع دار الإيمان إلى أن :
أولاً: يكون الإحتفال بالموالد الشريف موسماً إحتفالياً ولا بأس بأن يمتد لشهرين أو ثلاثة ، يتبادل فيه الناس كل ما يزيدهم من محبة الرسول صلى الله عليه وسلم في القلوب ويحرك المشاعر تجاهه بأبي هو وأمي بعد أن قست القلوب وجفت الدموع وجمدت المشاعر.
ثانياً: وأن نربي هذا الجيل من أبنائنا على حب نبي هذه الأمة والتعلق به وبأله الأطهار وجعلهم المثل الأعلى في قلوبهم، لعلهم يحذوا حذوهم بالتربية والخلق القويم، بعد أن انتشرت في الأمة ظاهرة حب الساقطين من الفنانين والفنانات، وطغت على الأمة فلسفة الغناء والفيديو كليب المسفف.
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد عدد كمال الله وكما يليق بكماله
أدلة جواز الإحتفال بالمولد الشريف
إن الإحتفال بالمولد النبوي الشريف بالمفهوم الذي ذكرنا آنفاً، له أدلة كثيرة من الدين هي :
1. عدم وجود دليل على التحريم، والأصل في الأمور الإباحة إن لم يدل الدليل على غيرها؛ كما أخبر سيدنا رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم في قوله: (ما أحل الله في كتابه فهو حلال، وما حرم فهو حرام، وما سكت عنه فهو عفو فاقبلوا من الله عافيته، فإن الله لم يكن لينسى شيئاً { وما كان ربك نسيّا }) أخرجه البزار والحاكم وغيرهما، وهو صحيح. والمقصود بقوله (أحلَّ): أوجب، كما هو ظاهر. وقوله: (إن الله فرض فرائض فلا تضيّعوها، وحدّ حدوداً فلا تعتدوها، وحرّم أشياء فلا تنتهكوها، وسكت عن أشياء رحمة بكم من غير نسيان فلا تبحثوا عنها) أخرجه الدارقطني وغيره. وقوله: (ما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم، وما نهيتكم عنه فاجتنبوه).
وذلك جميعاً تأويل قول الله تعالى: { وما آتاكم الرّسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا}؛ إذ لم يَقُل سبحانه (وما سكت عنه أو تركه مما له مستند من الشّرع يدل عليه ).
فإحياء المولد النبوي الشريف لو لم يكن له مستند إلا (عدم ورود النهي عن إحيائه) لكفى.
2. أن الله تعالى أمَرَنا في غير موضع من كتابه العزيز بذكر نعمته: ثم بيّن أن من طرق ذكر تلك النعم(إحياء مناسباتها بالتحدّث بها والشكر عليها)؛ فقال سبحانه { وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنْجَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ} ابراهيم: 6، مبيّناً أن المطالبة بذكر النعمة يكونُ بشكر الله تعالى عليها، الذي منه التحدّث بها؛ كما قال سبحانه: { وأما بنعمة ربك فحدّث} الضحى.
وأن ذلك آكد ما يكون: عند حلول موسمها؛ كما بينه سيدنا رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم بسنّه صوم ذلك اليوم الذي هو يوم عاشوراء، بعد أن علم أن اليهود تصومه لذلك؛ إذ الخطاب فيه للمؤمنين، وهم أمة واحدة وإن اختلفت شرائعهم.
ومن هذا أيضاً قول الله تعالى { لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ} الزخرف: 13، وهو واضح في المطالبة بالذكر عند مباشرة النعمة كلما تكررت.
3. سَنُّ سيدنا رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم إحياء ذكرى مولده الشريف: كما في الحديث الصحيح أنه سئل عن سبب صيامه يوم الاثنين؟ فقال: (ذاك يوم ولدت فيه) أخرجه البخاري وغيره.
فنحن إذ نفرح بيوم مولده في كل عام مرة ، في غاية التقصير بين يدي ما سنّه هو صلى الله عليه وسلم من شكر لله تعالى في كل يوم اثنين صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله أجمعين.
ومع وضوح الأدلة على إباحة مثل هذه الإحتفالات للأسباب التي ذكرنا بداية، نجد من يصّر على عدم جواز الإحتفال بمولده صلى الله عليه وسلم، ويسوق الأدلة على ذلك، ولسنا في موسم ذكرى ميلاده عليه الصلاة والسلام بحاجة إلى الدخول في مناقشات فكرية فقهية لأن الأمر واضح الإباحة كما قرره أهل الشريعة عبر التاريخ ، ولكون الذكرى مناسبة لتجميع القلوب والأفئدة على حب سيد الكائنات، ولكن الواجب العلمي يقتضي منا بيان الرد على الأدلة التي يسوقها البعض لتحريم الإحتفال حتى نكون ممن يعبد الله على علم وبينة . وأما من استقر قلبه على إباحة الإحتفال فليس له حاجة في الخوض في هذه المسائل حتى لا يتعكر قلبه بكثرة الأخذ والرد ، فلهؤلاء نقول إحتفلوا بحبيبكم وأحيوا ذكرى مولده الشريف الذي أضاءت له الدنيا بما يحرك القلوب ويرفع وتيرة الإيمان ويزيد تعلقكم بحبه وحب آله الكرام ، وأما الذين يحبوا أن يطلعوا على حقيقة الأمر من الناحية الشرعية حتى يكونوا دعاة على نور وهدىً فنقول بعد التوكل على الله :
يقولون أن الإحتفال بالمولد أنه بدعة
يقول المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد"، ويقول: "وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة". ف يقولون أن لفظة (كل) الواردة في الحديث من ألفاظ العموم، تشمل جميع أنواع البدع بدون استثناء فهي ضلالة. نقول فكيف تفسرون فعل بعض الصحابة لأمور لم يفعلها سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإليكم بعض أفعالهم رضي الله عنهم:
1. جمع القرآن: حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: "قبض النبي صلى الله عليه وسلم ولم يكن القرآن جمُع في شيء".
2. مقام إبراهيم: أخرج البيهقي بسند قوي عن عائشة قالت: أن المقام كان في زمن النبي صلى الله عليه وآله سلم وفي زمن أبي بكر ملتصقاً بالبيت ثم أخره عمر ولم تنكر الصحابة فعله"
3. زيادة الأذان الأول يوم الجمعة: ففي صحيح البخاري عن السائب بن زيد قال: كان النداء يوم الجمعة أوله إذا جلس الإمام على المنبر على عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأبي بكر وعمر رضي الله عنهم. فلما كان عثمان زاد النداء الثالث- باعتبار إضافته إلى الأذان الأول والإقامة.
4. الصلاة على النبي: صلى الله عليه وآله وسلم التي أنشأها سيدنا علي رضي الله عنه وكان يُعلمها الناس. ذكرها سعيد بن منصور وابن جرير قي تهذيب الآثار وابن أبي عاصم ويعقوب بن شيبة في أخبار علي، والطبراني وغيرهم عن سلامة الكندي.
5. ما زاده ابن مسعود في التشهد: بعد (ورحمة الله وبركاته) كان يقول: السلام علينا من ربنا. رواه الطبراني في الكبير ورجاله ورجال الصحيح كما في مجمع الزوائد.
6. زيادة عبدالله بن عمر البسملة في أول التشهد: وكذلك مازاده في التلبية بقوله: "لبيك وسعديك والخير بيديك والرغباء إليك والعمل.." وهو مبسوط في صحيح البخاري، ومسلم، الخ من زيادة الصحابة وعلماء وفضلاء الأمة.
كل هؤلاء وغيرهم من الصحابة ابتدعوا أشياء رأوها حسنة لم تكن في عهد المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم، وهي من العبادات. فما رأيكم ؟؟
يقولون أنه لا يوجد هناك في الإسلام شيئ يسمى بدعة حسنة
فإليكم أقوال علماء الأمة والذين يُعَوَّلُ على كلامهم :
1. قال العلامة شارح صحيح مسلم الإمام الحافظ النووي رضي الله عنه في صحيح مسلم (6/21) ما نصه: قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "كل بدعة.." هذا عام مخصوص والمراد غالب البدع، قال أهل اللغة: هي كل شيء عُمل على غير مثال سابق وهي منقسمة إلى خمسة أقسام. وقال كذلك في (تهذيب الأسماء واللغات): البدعة بكسر الباء في الشرع هي إحداث ما لم يكن في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهي منقسمة إلى حسنة وقبيحة. وقا ل أيضا: والمحدَثات بفتح الدال جمع محدثة، والمراد بها: ما أحدث وليس له أصل في الشرع.. ويسمى في عُرف الشرع بدعة، وما كان له أصل يدل عليه الشرع فليس ببدعة، فالبدعة في عُرف الشرع مذمومة بخلاف اللغة، فإن كل شيء أحدث على غير مثال يسمى بدعة سواء كان محمودا أو مذموماً.
2. قال الحافظ شيخ الإسلام ابن حجر العسقلاني شارح صحيح البخاري المجمع على جلالة قدره ما نصه: وكل ما لم يكن في زمنه صلى الله عليه وآله وسلم يسمى بدعة، لكن منها ما يكون حسن ومنها ما يكون خلاف ذلك.
3. وروى أبونعيم عن ابراهيم الجنيد قال: سمعت الشافعي يقول: البدعة بدعتان: بدعة محمودة وبدعة مذمومة، فما وافق السنة فهو محمود، وما خالف السنة فهو مذموم. وروى البيهقي في مناقب الشافعي رضي الله عنه، قال: المحدثات ضربان: ما أحدث مما يخالف كتاب أو سنة أو أثر أو جماعة فهذه بدعة الضلال، وما أحدث من الخير لا خلاف فيه لواحد من هذه.
4. وقال سلطان العلماء العز بن عبدالسلام رضي الله عنه: في آخر كتابه ( القواعد) ما نصه: البدعة منقسمة إلى واجبة، ومحرمة، ومندوبة، ومكروهة، ومباحة. قال: والطريق في ذلك أن تعرض البدعة على قواعد الشريعة. فإن دخلت في قواعد الإيجاب فواجبة، أو في قواعد التحريم فمحرمة، أو الندب فمندوبة، أو المكروه فمكروهه، أو المباح فمباحة. اهـ.
فانظر أخي المسلم أين قولهم أن لفظة (كل) من ألفاظ العموم تشمل كل أنوع البدع بلا استثناء من قول هؤلاء الأئمة وعلى رأسهم الإمام الحافظ النووي حيث قال: إن لفظة (كل) هو عام مخصوص، وأين قولهم أنه ليس ثم شيء في الدين يسمى بدعة حسنة وقول أئمة المسلمين كما رأيت وعلى رأسهم الإمام الجليل صاحب المذهب الإمام الشافعي رضي الله عنه، بل وقد تقرر عند العوام فضلا عن العلماء من قوله صلى الله عليه وآله وسلم كما في صحيح مسلم: " من سنَّ في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء" الحديث. أنه يسن للمسلم أن يأتي بسنة حسنة وإن لم يفعلها الرسول صلى الله عليه وآله وسلم من أجل زيادة الخير والأجر. ومعنى سنّ سنة: أي أنشأها باجتهاد واستنباط من قواعد الشرع أو عموم نصوصه. وما ذكرناه من أفعال الصحابة والتابعين هو أكبر دليل على ذلك.
يقولون أن بداية الإحتفال بالمولد كانت على يد الدولة العبيدية
يقول المعارضون للإحتفال بالمولد الشريف : أن الحافظ ابن كثير ذكر في البداية والنهاية (11/172) أن الدولة الفاطمية العبيدية المنتسبة إلى عبيدالله بن ميمون القداح اليهودي والتي حكمت مصر من سنة(357 هـ-562 هـ) أحدثوا احتفالات بأيام كثيرة ومنها الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وآله وسلم. اهـ
ولكن وحسب المرجع الذي أشاروا إليه فإننا وجدنا قول الإمام الحافظ ابن كثير في (البداية والنهاية) 13/136 طبعة مكتبة المعارف مانصه:
"..الملك المظفر أبو سعيد كوكيري، أحد الأجواد والسادات الكبراء والملوك الأمجاد، له آثار حسنة (وانظر إلى قوله آثار حسنة) وكان يعمل المولد الشريف في ربيع الأول ويحتفل به احتفالاً هائلاً، وكان مع ذلك شهما ً شجاعاً فاتكاً عاقلاً عالماً عادلاً، رحمه الله وأحسن مثواه.." إلى ان قال "..وكان يصرف في المولد ثلاثمئة ألف دينار" اهـ.
فانظر رحمك الله إلى هذا المدح والثناء عليه من ابن كثير إذ أنه وصفه بأنه عالم، عادل، شهم ، شجاع، إلى قوله : رحمه الله وأحسن مثواه، ولم يقل أنه مبتدع وفاسق وفاجر. بل إن الإمام الحافظ الذهبي في (سير أعلام النبلاء) (22/336) قد قال عند ترجمة الملك المظفر ما نصه: "كان متواضعاً، خيراً ، سنياً يحب الفقهاء والمحدثين".
يقولون أنه يحصل في الموالد اختلاط الرجال بالنساء واستعمال المعازف وشرب المسكرات
وحقيقة لم نحضر مولداً ولم نسمع ممن حضر مولداً أي اختلاط ولم نسمع معازف ، وإن حصل شيء يخالف الشرع الحنيف فهو رد على من قام به وليس على دليلاً على تحريم أصل الأمر.
أما شرب المسكرات فنعم. رأينا سُكراً ولكن ليس كسُكر أهل الدنيا بالشراب، وجدنا سُكر المحبة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ذلك السُكر الذي يغلب حتى على سكرات الموت، كما حصل لسيدنا بلال رضي الله عنه عندما حضرته المنية. حين امتزجت حلاوة المحبة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مع سكرات الموت . حتى غلبت عليها سكرات المحبة، فكان يقول وهو في تلك السكرات: غداً ألقى الأحبة محمداً وصحبه .
يقولون أن يوم ولادة الرسول هو نفس يوم وفاته فالفرح فيه ليس بأولى من الحزن
يقول الإمام العلامة جلال الدين السيوطي كما في (الحاوي للفتاوي ص193) طبعة دار الكتب العلمية: حيث قال مانصه: "أن ولادته صلى الله عليه وآله وسلم أعظم النعم، ووفاته أعظم المصائب لنا، والشريعة حثت على إظهار شكر النعم، والصبر والسكون عند المصائب، وقد أمر الشرع بالعقيقة عند الولادة وهي إظهار شكر وفرح بالمولود، ولم يأمر عند الموت بذبح (عقيقة) ولا بغيره. بل نهى عن النياحة وإظهار الجزع، فدلت قواعد الشريعة على أنه يحسن في هذا الشهر إظهار الفرح بولادته صلى الله عليه وآله وسلم دون إظهار الحزن بوفاته.
ي قولون بأنه لو كان الاحتفال بالمولد من الدين لبينه نبينا لأمته أو لفعله أصحابه
والجواب: أن كل ما لم يفعله الرسول صلى الله عليه وسلم أو الصحابة من بعده. لا يعتبر تركهم له تحريماً، والدليل على ذلك قول المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم: "من سنَّ في الإسلام سنة حسنة.."الحديث، وفيه أكبر دليل على الترغيب في إحداث كل ما ليس له أصل من الشرع وإن لم يفعله المصطفى صلى الله عليه وسلم وصحابته رضوان الله عليهم.
قال الشافعي رضي الله عنه: كل ما له مستند من الشرع فليس ببدعة ولو لم يعمل به السلف، لأن تركهم للعمل به قد يكون لعذر قام لهم في ذلك الوقت، أو لما هو أفضل منه، أو لعله لم يبلغ جميعهم علم به. ا هـ
فمن زعم تحريم شيء بدعوى أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يفعله فقد ادعى ما ليس له دليل وكانت دعواه مردودة.
ونحن نقول: بناء على القاعدة التي انتشرت في زماننا هذا وهي أن من أحدث ما لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أو صحابته فقد ابتدع في الدين فإننا نجد أن الذين يؤمنون بهذه القاعدة قد فعلوا أموراً في الدين لم يفعلها الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم وهي على سبيل المثال لا الحصر: جمع الناس على إمام واحد لأداء صلاة التهجد بعد صلاة التراويح في الحرمين الشريفين وغيرهما من المساجد. و قراءة دعاء ختم القرآن في صلاة التراويح وكذلك في صلاة التهجد. و تخصيص ليلة (27) أو (29) لختم القرآن في الحرمين. و قول المنادي بعد صلاة التروايح: (صلاة القيام أثابكم الله). إلى غير ذلك مما لايتسع المجال لذكره. ومع ذلك فنحن لا ننكر هذه الأشياء إلا أنها من البدع الحسنة التي ينكر بعضهم على من يفعل أمثالها ثم يجيزونها لأنفسهم.
أقوال العلماء المعتد برأيهم في الإحتفال بالمولد النبوي
نسوق الآن أقوال العلماء في الإحتفال بالمولد الشريف:
قول الإمام السخاوي :
ولو لم يكن في ذلك إلا إرغام الشيطان وسرور أهل الإيمان من المسلمين لكفى وإذا كان أهل الصليب اتخذوا مولد نبيهم عيداً أكبر فأهل الإسلام أولى بالتكريم وأجدر فرحم الله امرءاً اتخذ ليالي هذا الشهر المبارك وأيامه أعياداً لتكون أشد علة على من في قلبه أدنى مرض وأعيا داء.
قول العلامة فتح الله البناني
إن أحسن ما ابتدع في زماننا هذا كما قال الإمام أبو شامة وغيره ما يفعل كل عام في اليوم الذي يوافق مولده صلى الله عليه وسلم من الصدقات والمعروف وإظهارالزينة والسرور فإن ذلك – مع ما فيه من الإحسان إلى الفقراء – مشعر بمحبة النبي صلى الله عليه وسلم وتعظيمه في قلب فاعل ذلك وشكر الله تعالى على ما من به إيجاد رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أرسله رحمه للعالمين .
قول العلامة القسطلاني
ولا زال أهل الإسلام بعد القرون الثلاثة يحتفلون بشهر مولده عليه الصلاة والسلام ويعملون الولائم ويتصدقون في لياليه بأنواع الصدقات ويظهرون السرور ، ويزيدون في المبرات، ويعتنون بقراءة قصة مولده الكريم ويظهر عليهم من بركاته كل فضل عميم.
قول الإمام بن عياد
وأما المولد فالذي يظهر لي أنه من أعياد المسلمين ، وموسم من مواسمهم وكل ما يفعل فيه مما يقتضيه وجود الفرح والسرور بذلك المولد المبارك من إيقاد الشمع ، وإمتاع البصر والسمع ، والتزين بلبس فاخر الثياب ، وركوب فاره الدواب ، أمر مباح لا ينكر على أحد قياساً على غيره من أوقات الفرح .
وقال الإمام السيوطي وظهر لي تخريجه على أصل آخر وهو ما أخرجه البيهقي عن أنس رضي الله عنه " أن النبي صلى الله عليه وسلم عق عن نفسه بعد النبوة " مع أنه قد ورد أن جده عبد المطلب عقَّ عنه في سابع ولادته والعقيقة لا تعاد مرة ثانية فيحمل ذلك على أن الذي فعله النبي صلى الله عليه وسلم إظهاراً للشكر على إيجاد الله تعالى إياه رحمة للعالمين وتشريفاً لأمته كما كان يصلي على نفسه لذلك فيستحب لنا أيضاً إظهار الشكر بمولده باجتماع الإخوان وإطعام الطعام ونحو ذلك من وجوه القربات وإظهار المسرات .
كلام الحافظ أبى الفضل ابن حجر العسقلاني في عمل المولد
وقد سئل شيخ الإسلام حافظ العصر أبو الفضل ابن حجر عن عمل المولد فأجاب بما نصه:
أصل عمل المولد بدعة لم ينقل عن أحد من السلف الصالح من القرون الثلاثة ، ولكنها مع ذلك فقد اشتملت على محاسن وضدها فمن تحرى في عملها المحاسن وتجنب ضدها كان بدعة حسنة وإلا فلا . قال : وقد ظهر لي تخريجها على أصل ثابت وهو ما ثبت في الصحيحين من أن النبي صلى الله عليه وسلم قدم المدينة ، فوجد اليهود يصومون يوم عاشوراء ، فسألهم فقالوا هو يوم أغرق الله فيه فرعون ونجى موسى فنحن نصومه شكراً لله تعالى . فيستفاد منه فعل الشكر لله تعالى على ما من به في يوم معين من إسداء نعمة أو دفع نقمة ويعاد ذلك في نظير ذلك اليوم من كل سنة والشكر لله تعالى يحصل بأنواع العبادات كالسجود والصيام والصدقة والتلاوة وأي نعمة أعظم من النعمة ببروز هذا النبي صلى الله عليه وسلم الذي هو نبي الرحمة في ذلك اليوم . وعلى هذا فينبغي أن يتحرى اليوم بعينه حتى يطابق قصة موسى عليه السلام في يوم عاشوراء ، ومن لم يلاحظ ذلك لا يبالي بعمل المولد في أي يوم في الشهر بل توسع قوم فنقلوه إلي يوم من السنة وفيه ما فيه فهذا ما يتعلق بأصل عمله .
الإمام أبو شامة (شيخ الحافظ النووي):
قال في كتابه (الباعث على إنكار البدع والحوادث/ص23) مانصه: "ومن أحسن ما ابتدع في زماننا ما يُفعل كل عام في اليوم الموافق لمولده صلى الله عليه وآله وسلم من الصدقات، والمعروف، وإظهار الزينة والسرور، فإن ذلك مشعرٌ بمحبته صلى الله عليه وآله وسلم وتعظيمه في قلب فاعل ذلك وشكراً لله تعالى على ما منّ به من إيجاد رسوله الذي أرسله رحمة للعالمين. اهـ.
الشيخ ابن تيمية:
قال في كتابه (اقتضاء الصراط المستقيم) طبعة دار الحديث / ص 266 السطر الخامس من الأسفل ما نصه: "وكذلك ما يحدثه بعض الناس إما مضاهاة للنصارى في ميلاد عيسى عليه السلام وإما محبة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم وتعظيماً له، والله قد يثيبهم على هذه المحبة والاجتهاد. وقال: "فإن هذا لم يفعله السلف، مع قيام المقتضى له، وعدم المانع منه" ا هـ.
وكذلك ممن ألف وتكلم في المولد: الإمام الحافظ السخاوي، والإمام الحافظ وجيه الدين بن علي بن الديبع الشيباني الزبيدي.. وغيرهم الكثير ممن لا يتسع المجال لاستقصائهم.
أشهر المصنفات في المولد الشريف
ولقد أجاز المولد أو استحبه كثير من العلماء بل صنفوا فيه المصنفات الكثيرة ومنها :
1. شمس الدين ابن ناصر الدين الدمشقي في كتابين أحدهما اسمه المورد الصاوي في مولد الهادي وجامع الآثار في مولد المختار وانظر مقدمة كتاب توضيح المشتبه لابن ناصر الدين (1/73). 2. الإمام الحافظ العراقي صاحب ألفية الحديث واسم كتابه : المورد الهني في المولد السني . 3. الإمام السيوطي في كتابه حسن المقصد في عمل المولد بتحقيق مصطفى عطا. 4. الإمام السخاوي له كتاب اسمه الفخر العلوي في المولد النبوي ذكر ذلك مشهور أل سلمان في كتابه مؤلفات السخاوي ص186 . 5. ملا علي قاري في كتابه المورد الروي في المولد النبوي وهو مطبوع وقد ذكره محقق كتابه شرح النزهة ص79 . 6. ابن كثير له كتاب في المولد طبع بتحقيق د. صلاح المنجد.
7. العالم الإمام ابن دحية : وسمى كتابه: (التنوير في مولد البشير والنذير) صلى الله عليه وآله وسلم.
8. الإمام الحافظ شمس الدين ابن الجزري: إمام القراء وصاحب التصانيف التي منها: (النشر في القراءات العشر) وسمى كتابه: (عرف التعريف بالمولد الشريف).
برنامج الإحتفال بالمولد الشريف
وأما ما يكون في الإحتفال فينبغي أن تحتوي فقراته على ما يفهم منه الشكر لله تعالى من تلاوة القرآن الكريم ، وسرد مناقب صاحب الذكرى العطرة ومآثره وخصاله، وأن مولده الشريف كان وما زال المنبع الأوفى لرسالته التي غيرت وجه العالم ونقلت الإنسانية من الظلام إلى النور .
وإنشاد شيء من المدائح النبوية المحركة للقلوب والباعثة لفعل الخير والعمل للآخرة .
كما يستحسن تقديم الطعام والحلوى والصدقة وتبادل التهاني التي تقرب الناس من بعضهم البعض وتقوي أواصر المحبة فيما بينهم.
يقول الدكتور سعيد رمضان البوطي : عندما تهب رائحة هذه الذكرى في مثل هذا الشهر المبارك فاقرأوا قول الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّها الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} ، ومن ضاقت به السبل وأراد أن يكون أكثر قربة إلى الله ورسوله، ولم يتأتَّ له ذلك، فليستعن على تيسير هذا الأمر بالإكثار من الصلاة على رسول الله. ومن أطبقت عليه الهموم وتكاثرت عليه الغموم، فليكثر من الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، يجدِ الفرح القريب. ومن وجد أن الدنيا هي التي تشغله وأن المصير الذي هو آيب إليه بعيد عن شغله وبعيد عن تصوره وأهدافه، فليكثر من الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، الالتجاء إلى الله بالدعاء كفة والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم كفة أخرى. وانظروا في هذه الأحاديث عن فضل الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيرة ومتواترة، كما قالوا تواتراً معنوياً، ولكن حسبكم من ذلك هذا الذي يرويه الإمام أحمد والترمذي والحاكم في مستدركه من حديث أُبي بن كعب قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أفاق بعد ربع الليل قال: (أيها الناس اذكروا الله، أيها الناس اذكروا الله، جاءت الراجفة، فتبعتها الرادفة، جاء الموت بما فيه، جاء الموت بما فيه) سمعت رسول الله يقول هذا، فقلت له: يا رسول الله إني أكثر من الصلاة فكم أجعل من صلاتي لك - إي من صلاتي عليك - قال: (ما شئت) قال: الربع. قال: (ما شئت، وإن زدت فذلك خير لك). قال: فالثلث، قال: (إن شئت فذلك خير لك)، قال: فالنصف، قال: (إن شئت، وإن زدت فذلك خير لك). قال: فلسوف أجعل صلاتي لك كلها - أي أحبس وقتي كله بعد أداء الفرائض للصلاة عليك - قال: (إذن يكشف همك، ويزول غمك، ويغفر الله لك).
|