السنة النبوية الصحيحة وحي من الله
صفحة 1 من اصل 1
السنة النبوية الصحيحة وحي من الله
السنة النبوية الصحيحة وحي من
الله
الله
أولا : أعتذر عن إثارة مثل
هذا السؤال ، ولكي لا أترك مجالا للشك في نيتي ، أقول : إنني أشهد أن لا اله الا
الله وأن محمدا رسول الله ، وإنني راض تمام الرضى بالله عز وجل ربا وبالإسلام دينا
وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولا . أسأل عن السنة ، لأنه توجد روايات كثيرة لحديث
واحد ، فمثلا نجد في صحيح البخاري حديثا ما بأسلوب مخالف لما هو عليه في صحيح مسلم
، فلماذا لا تكون السنة مثل القرآن العظيم ؟ ما الفرق بين السنة المطهرة والقرآن
العظيم ؟ هل السنة النبوية الشريفة هي من الوحي الذي يتنزل على الرسول صلى الله
عليه وسلم ، أم هي من أقواله وأفعاله صلى الله عليه وسلم ؟ هل هي من خصائص النبوة
أم ماذا ؟
الحمد لله
أولا :
لا بد أن
يستقر في عقل وقلب كل مسلم أن السنة - وهي ما أضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم من
قول أو فعل أو تقرير - هي أحد قسمي الوحي الإلهي الذي أُنزِل على رسول الله صلى
الله عليه وسلم ، والقسم الآخر من الوحي هو القرآن الكريم .
قال تعالى ( وَمَا
يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى ، إِن هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىْ ) النجم/3-4
وعن
المقدام بن معد يكرب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
(
أَلَا إِنِّي أُوتِيتُ القُرآنَ وَمِثلَهُ مَعَهُ ، أَلَا يُوشِكُ رَجُلٌ شَبعَان
عَلَى أَرِيكَتِهِ يَقُولُ : عَلَيكُم بِهَذَا القُرآنِ ، فَمَا وَجَدتُم فِيهِ مِن
حَلَالٍ فَأَحِلُّوهُ ، وَمَا وَجَدتُم فِيهِ مِن حَرَامٍ فَحَرِّمُوهُ ، أَلَا
وَإِنَّ مَا حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ كَمَا
حَرَّمَ اللَّهُ )
رواه الترمذي (2664) وقال : حسن غريب من هذا الوجه ، وحسنه
الألباني في "السلسلة الصحيحة" (2870)
وهذا ما فهمه السلف الصالح رضوان الله
عليهم من ديننا الحنيف :
يقول حسان بن عطية "الكفاية" للخطيب (12) :
" كان
جبريل ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم بالسنة كما ينزل عليه بالقرآن " انتهى
.
رواه الدامي في سننه (588) والخطيب في الكفاية (12) ، وعزاه الحافظ في الفتح
(13/291) إلى البيهقي ، قال : " بسند صحيح " .
وأهمية السنة في كونها مبيِّنةً
لكتاب الله وشارحةً له أوَّلًا ، ثم من كونها تزيد على ما في كتاب الله بعض الأحكام
.
يقول الله تعالى : ( وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ
مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ) النحل/44
يقول ابن عبد
البر في "جامع بيان العلم وفضله" (2/190) :
" البيان منه صلى الله عليه وسلم على
ضربين :
الأول : بيان المجمل في الكتاب العزيز ، كالصلوات الخمس في مواقيتها
وسجودها وركوعها وسائر الأحكام .
الثاني : زيادة حكم على حكم الكتاب ، كتحريم
نكاح المرأة على عمتها وخالتها " انتهى .
ثانيا :
لما كانت السنة القسمَ
الثانيَ من أقسام الوحي ، كان لا بد من حفظ الله تعالى لها ، ليحفظَ بها الدين من
التحريف أو النقص أو الضياع .
يقول ابن حزم رحمه الله "الإحكام" (1/95) :
"
قال تعالى ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ )
الحجر/9
وقال تعالى : ( قُلْ إِنَّمَا أُنذِرُكُم بِالْوَحْيِ وَلَا يَسْمَعُ
الصُّمُّ الدُّعَاء إِذَا مَا يُنذَرُونَ ) الأنبياء/45
فأخبر تعالى أن كلام
نبيه صلى الله عليه وسلم كله وحي ، والوحي بلا خلاف ذِكْرٌ ، والذكر محفوظ بنصِّ
القرآن ، فصح بذلك أن كلامه صلى الله عليه وسلم كله محفوظ بحفظ الله عز وجل ، مضمون
لنا أنه لا يضيع منه شيء ، إذ ما حَفِظَ الله تعالى فهو باليقين لا سبيل إلى أن
يضيع منه شيء ، فهو منقول إلينا كله ، فلله الحجة علينا أبدا " انتهى
.
ثالثا :
وإذا ثبت أن السنة من الوحي الإلهي ، لا بد من التنبه إلى أن
الفرق بينها وبين القرآن يكمن في أمر واحد فقط ، وهو أن القرآن كلام الله تعالى ،
نزل بلفظه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، أما السنة فقد لا تكون من كلامه تعالى ،
بل من وحيه فقط ، ثم لا يلزم أن تأتي بلفظها ، بل بالمعنى والمضمون .
ومِن
فَهْمِ هذا الفرق ، يظهر أن العبرة في نقل السنة هو المعنى والمضمون ، وليس ذات
الألفاظ التي نطق بها النبي صلى الله عليه وسلم ، والشريعة الإسلامية إنما حُفظت
بحفظ الله تعالى للقرآن الكريم كاملا ، وبحفظه سبحانه للسنة النبوية في مُجمَلِها ،
ومعناها ، وما بيَّنَتهُ من كتاب الله ، وليس في ألفاظها وحروفها .
ومع ذلك فإن
علماء هذه الأمة على مدى القرون السالفة ، قد قاموا بحفظ الشريعة والسنة ، ونقلوا
لنا ألفاظ النبي صلى الله عليه وسلم كما قالها ، وميزوا ما فيها من الصواب والخطأ ،
والحق والباطل .
وما يراه السائل الكريم من تعدد الروايات للحديث الواحد لا يعني
أبدا التقصير في حفظ السنة ونقلها ، وإنما اختلفت الروايات لأسباب عديدة ، إذا
تبينت ظهر الجواب واضحا ، فيقال :
رابعا :
أسباب تعدد الروايات :
1- تعدد
الحادثة :
يقول ابن حزم رحمه الله في "الإحكام" (1/134) :
" وليس اختلاف
الروايات عيبا في الحديث إذا كان المعنى واحدا ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم صحَّ
عنه أنه إذا كان يُحَدِّث بحديثٍ كَرَّرَه ثلاث مرات ، فينقل كل إنسان بحسب ما سمع
، فليس هذا الاختلاف في الروايات مما يوهن الحديث إذا كان المعنى واحدا " انتهى
.
2- الرواية بالمعنى :
وهو أكثر ما يسبب تعدد الروايات للحديث الواحد ، فإن
المهم في نقل الحديث أداء مضمونه ومحتواه ، أما ألفاظه فليست تعبديةً كالقرآن .
مثاله : حديث ( إنما الأعمال بالنيات ) : فقد روي بلفظ ( العمل بالنية ) ولفظ (
إنما الأعمال بالنية ) وآخر ( الأعمال بالنية ) ، وهذا التعدد سببه الرواية بالمعنى
، فإن مخرج الحديث واحد ، وهو يحيى بن سعيد عن محمد بن إبراهيم التيمي عن علقمة عن
عمر رضي الله عنه ، والملاحظ أن المعنى الذي يفهم من هذه الجمل واحد ، فأي ضرر في
تعدد الروايات حينئذ ؟!
ولكي يطمئن العلماء أكثر إلى أن الراوي نقل المعنى
الصحيح للحديث ، كانوا لا يقبلون الرواية بالمعنى إلا من عالم باللغة العربية ، ثم
يقارنون رواية الراوي برواية غيره من الثقات ، فيتبين لهم الخطأ في النقل إن وقع ،
والأمثلة على ذلك كثيرة ، ليس هذا محلها .
3- اختصار الراوي للحديث :
أي أن
يكون الراوي حافظا للحديث كله ، ولكن يكتفي بذكر جزء منه في حال ، ويذكره كاملا في
حال أخرى .
مثاله : روايات حديث أبي هريرة في قصة نسيان النبي صلى الله عليه
وسلم ركعتين من صلاة الظهر ، فكلها جاءت عن أبي هريرة ، وهي قصة واحدة ، وذلك يدل
على أن اختلاف الروايات سببه اختصار بعض الرواة . انظر صحيح البخاري (714) (715)
(1229)
4- الخطأ :
فقد يقع من أحد الرواة الخطأ ، فيروي الحديث على غير وجهه
الذي يرويه الآخرون ، ويمكن معرفة الخطأ بمقارنة الروايات بعضها ببعض ، وهو ما قام
به أهل العلم في كتب السنة والتخريج .
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في
"الجواب الصحيح" (3/39) :
" ولكن هذه الأمة حفظ الله تعالى لها ما أنزله ، قال
تعالى : ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ )
الحجر/9 ، فما في تفسير القرآن أو نقل الحديث أو تفسيره من غلط ، فإن الله يقيم له
من الأمة من يبيِّنُه ، ويذكر الدليل على غلط الغالط وكذب الكاذب ، فإن هذه الأمة
لا تجتمع على ضلالة ، ولا يزال فيها طائفة ظاهرة على الحق حتى تقوم الساعة ، إذ
كانوا آخر الأمم ، فلا نبي بعد نبيهم ، ولا كتاب بعد كتابهم ، وكانت الأمم قبلهم
إذا بدَّلوا وغيَّروا بعث الله نبيا يبين لهم ويأمرهم وينهاهم ، ولم يكن بعد محمد
صلى الله عليه وسلم نبي ، وقد ضمن الله أن يحفظ ما أنزله من الذكر " انتهى
.
والسنة ، على الوجه الذي ذكرناه أولا ، من كونها وحيا من عند الله تعالى :
يبين للناس ما نُزِّل إليهم في كتاب الله تعالى ، ويعلمهم من الأحكام ما يحتاجونه
في دينهم ، ولو يأت تفصيله ، أو أصله في كتاب الله تعالى ، نقول : السنة على هذا
الوجه هي من خصائص النبوة ؛ فهذه الوظيفة هي من أجل وظائف النبوة ، وما زال الناس
يرون السنة على هذا الوجه ، بما تحمله الكتب ، أو الروايات الشفهية من اختلاف في
بعض الألفاظ ، أو تعدد لسياقات الحديث ، ولم يكن في ذلك ما يدعو للتشكك في منزلتها
، أو القلق من حفظها ، أو التردد والخلاف في حجيتها وحاجة الناس إليها ، على كثرة
ما اختلف الناس وتنازعوا في المسائل العلمية والعملية.
يقول العلامة الشيخ عبد
الغني عبد الخالق ـ رحمه الله ـ :
" لا نجد في كتب الغزالي والآمدي والبزدوي ،
وجميع من اتبع طرقهم في التأليف من الأصوليين ، تصريحا ولا تلويحا بأن في هذه
المسألة خلافا ، وهم الذين استقصوا كتب السابقين ومذاهبهم ، وتتبعوا الاختلافات ،
حتى الشاذة منها ، واعتنوا بالرد عليها أشد الاعتناء"
ثم نقل عن صاحب
المُسَلَّم ، وشارحه : " أن حجية الكتاب والسنة والإجماع والقياس : من علم الكلام ،
لكن تعرض الأصولي لحجية الإجماع والقياس ، لأنهما كثر التشغيب فيهما من الحمقى ، من
الخوارج والروافض ( خذلهم الله تعالى ) ، وأما حجية الكتاب والسنة : فمتفق عليها
عند الأمة ، ممن يدعي التدين كافة ، فلا حاجة إلى الذكر " انتهى .
انظر : حجية
السنة ( 248-249) .
وانظر : إجابة السؤال (93111)
هذا السؤال ، ولكي لا أترك مجالا للشك في نيتي ، أقول : إنني أشهد أن لا اله الا
الله وأن محمدا رسول الله ، وإنني راض تمام الرضى بالله عز وجل ربا وبالإسلام دينا
وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولا . أسأل عن السنة ، لأنه توجد روايات كثيرة لحديث
واحد ، فمثلا نجد في صحيح البخاري حديثا ما بأسلوب مخالف لما هو عليه في صحيح مسلم
، فلماذا لا تكون السنة مثل القرآن العظيم ؟ ما الفرق بين السنة المطهرة والقرآن
العظيم ؟ هل السنة النبوية الشريفة هي من الوحي الذي يتنزل على الرسول صلى الله
عليه وسلم ، أم هي من أقواله وأفعاله صلى الله عليه وسلم ؟ هل هي من خصائص النبوة
أم ماذا ؟
الحمد لله
أولا :
لا بد أن
يستقر في عقل وقلب كل مسلم أن السنة - وهي ما أضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم من
قول أو فعل أو تقرير - هي أحد قسمي الوحي الإلهي الذي أُنزِل على رسول الله صلى
الله عليه وسلم ، والقسم الآخر من الوحي هو القرآن الكريم .
قال تعالى ( وَمَا
يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى ، إِن هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىْ ) النجم/3-4
وعن
المقدام بن معد يكرب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
(
أَلَا إِنِّي أُوتِيتُ القُرآنَ وَمِثلَهُ مَعَهُ ، أَلَا يُوشِكُ رَجُلٌ شَبعَان
عَلَى أَرِيكَتِهِ يَقُولُ : عَلَيكُم بِهَذَا القُرآنِ ، فَمَا وَجَدتُم فِيهِ مِن
حَلَالٍ فَأَحِلُّوهُ ، وَمَا وَجَدتُم فِيهِ مِن حَرَامٍ فَحَرِّمُوهُ ، أَلَا
وَإِنَّ مَا حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ كَمَا
حَرَّمَ اللَّهُ )
رواه الترمذي (2664) وقال : حسن غريب من هذا الوجه ، وحسنه
الألباني في "السلسلة الصحيحة" (2870)
وهذا ما فهمه السلف الصالح رضوان الله
عليهم من ديننا الحنيف :
يقول حسان بن عطية "الكفاية" للخطيب (12) :
" كان
جبريل ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم بالسنة كما ينزل عليه بالقرآن " انتهى
.
رواه الدامي في سننه (588) والخطيب في الكفاية (12) ، وعزاه الحافظ في الفتح
(13/291) إلى البيهقي ، قال : " بسند صحيح " .
وأهمية السنة في كونها مبيِّنةً
لكتاب الله وشارحةً له أوَّلًا ، ثم من كونها تزيد على ما في كتاب الله بعض الأحكام
.
يقول الله تعالى : ( وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ
مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ) النحل/44
يقول ابن عبد
البر في "جامع بيان العلم وفضله" (2/190) :
" البيان منه صلى الله عليه وسلم على
ضربين :
الأول : بيان المجمل في الكتاب العزيز ، كالصلوات الخمس في مواقيتها
وسجودها وركوعها وسائر الأحكام .
الثاني : زيادة حكم على حكم الكتاب ، كتحريم
نكاح المرأة على عمتها وخالتها " انتهى .
ثانيا :
لما كانت السنة القسمَ
الثانيَ من أقسام الوحي ، كان لا بد من حفظ الله تعالى لها ، ليحفظَ بها الدين من
التحريف أو النقص أو الضياع .
يقول ابن حزم رحمه الله "الإحكام" (1/95) :
"
قال تعالى ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ )
الحجر/9
وقال تعالى : ( قُلْ إِنَّمَا أُنذِرُكُم بِالْوَحْيِ وَلَا يَسْمَعُ
الصُّمُّ الدُّعَاء إِذَا مَا يُنذَرُونَ ) الأنبياء/45
فأخبر تعالى أن كلام
نبيه صلى الله عليه وسلم كله وحي ، والوحي بلا خلاف ذِكْرٌ ، والذكر محفوظ بنصِّ
القرآن ، فصح بذلك أن كلامه صلى الله عليه وسلم كله محفوظ بحفظ الله عز وجل ، مضمون
لنا أنه لا يضيع منه شيء ، إذ ما حَفِظَ الله تعالى فهو باليقين لا سبيل إلى أن
يضيع منه شيء ، فهو منقول إلينا كله ، فلله الحجة علينا أبدا " انتهى
.
ثالثا :
وإذا ثبت أن السنة من الوحي الإلهي ، لا بد من التنبه إلى أن
الفرق بينها وبين القرآن يكمن في أمر واحد فقط ، وهو أن القرآن كلام الله تعالى ،
نزل بلفظه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، أما السنة فقد لا تكون من كلامه تعالى ،
بل من وحيه فقط ، ثم لا يلزم أن تأتي بلفظها ، بل بالمعنى والمضمون .
ومِن
فَهْمِ هذا الفرق ، يظهر أن العبرة في نقل السنة هو المعنى والمضمون ، وليس ذات
الألفاظ التي نطق بها النبي صلى الله عليه وسلم ، والشريعة الإسلامية إنما حُفظت
بحفظ الله تعالى للقرآن الكريم كاملا ، وبحفظه سبحانه للسنة النبوية في مُجمَلِها ،
ومعناها ، وما بيَّنَتهُ من كتاب الله ، وليس في ألفاظها وحروفها .
ومع ذلك فإن
علماء هذه الأمة على مدى القرون السالفة ، قد قاموا بحفظ الشريعة والسنة ، ونقلوا
لنا ألفاظ النبي صلى الله عليه وسلم كما قالها ، وميزوا ما فيها من الصواب والخطأ ،
والحق والباطل .
وما يراه السائل الكريم من تعدد الروايات للحديث الواحد لا يعني
أبدا التقصير في حفظ السنة ونقلها ، وإنما اختلفت الروايات لأسباب عديدة ، إذا
تبينت ظهر الجواب واضحا ، فيقال :
رابعا :
أسباب تعدد الروايات :
1- تعدد
الحادثة :
يقول ابن حزم رحمه الله في "الإحكام" (1/134) :
" وليس اختلاف
الروايات عيبا في الحديث إذا كان المعنى واحدا ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم صحَّ
عنه أنه إذا كان يُحَدِّث بحديثٍ كَرَّرَه ثلاث مرات ، فينقل كل إنسان بحسب ما سمع
، فليس هذا الاختلاف في الروايات مما يوهن الحديث إذا كان المعنى واحدا " انتهى
.
2- الرواية بالمعنى :
وهو أكثر ما يسبب تعدد الروايات للحديث الواحد ، فإن
المهم في نقل الحديث أداء مضمونه ومحتواه ، أما ألفاظه فليست تعبديةً كالقرآن .
مثاله : حديث ( إنما الأعمال بالنيات ) : فقد روي بلفظ ( العمل بالنية ) ولفظ (
إنما الأعمال بالنية ) وآخر ( الأعمال بالنية ) ، وهذا التعدد سببه الرواية بالمعنى
، فإن مخرج الحديث واحد ، وهو يحيى بن سعيد عن محمد بن إبراهيم التيمي عن علقمة عن
عمر رضي الله عنه ، والملاحظ أن المعنى الذي يفهم من هذه الجمل واحد ، فأي ضرر في
تعدد الروايات حينئذ ؟!
ولكي يطمئن العلماء أكثر إلى أن الراوي نقل المعنى
الصحيح للحديث ، كانوا لا يقبلون الرواية بالمعنى إلا من عالم باللغة العربية ، ثم
يقارنون رواية الراوي برواية غيره من الثقات ، فيتبين لهم الخطأ في النقل إن وقع ،
والأمثلة على ذلك كثيرة ، ليس هذا محلها .
3- اختصار الراوي للحديث :
أي أن
يكون الراوي حافظا للحديث كله ، ولكن يكتفي بذكر جزء منه في حال ، ويذكره كاملا في
حال أخرى .
مثاله : روايات حديث أبي هريرة في قصة نسيان النبي صلى الله عليه
وسلم ركعتين من صلاة الظهر ، فكلها جاءت عن أبي هريرة ، وهي قصة واحدة ، وذلك يدل
على أن اختلاف الروايات سببه اختصار بعض الرواة . انظر صحيح البخاري (714) (715)
(1229)
4- الخطأ :
فقد يقع من أحد الرواة الخطأ ، فيروي الحديث على غير وجهه
الذي يرويه الآخرون ، ويمكن معرفة الخطأ بمقارنة الروايات بعضها ببعض ، وهو ما قام
به أهل العلم في كتب السنة والتخريج .
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في
"الجواب الصحيح" (3/39) :
" ولكن هذه الأمة حفظ الله تعالى لها ما أنزله ، قال
تعالى : ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ )
الحجر/9 ، فما في تفسير القرآن أو نقل الحديث أو تفسيره من غلط ، فإن الله يقيم له
من الأمة من يبيِّنُه ، ويذكر الدليل على غلط الغالط وكذب الكاذب ، فإن هذه الأمة
لا تجتمع على ضلالة ، ولا يزال فيها طائفة ظاهرة على الحق حتى تقوم الساعة ، إذ
كانوا آخر الأمم ، فلا نبي بعد نبيهم ، ولا كتاب بعد كتابهم ، وكانت الأمم قبلهم
إذا بدَّلوا وغيَّروا بعث الله نبيا يبين لهم ويأمرهم وينهاهم ، ولم يكن بعد محمد
صلى الله عليه وسلم نبي ، وقد ضمن الله أن يحفظ ما أنزله من الذكر " انتهى
.
والسنة ، على الوجه الذي ذكرناه أولا ، من كونها وحيا من عند الله تعالى :
يبين للناس ما نُزِّل إليهم في كتاب الله تعالى ، ويعلمهم من الأحكام ما يحتاجونه
في دينهم ، ولو يأت تفصيله ، أو أصله في كتاب الله تعالى ، نقول : السنة على هذا
الوجه هي من خصائص النبوة ؛ فهذه الوظيفة هي من أجل وظائف النبوة ، وما زال الناس
يرون السنة على هذا الوجه ، بما تحمله الكتب ، أو الروايات الشفهية من اختلاف في
بعض الألفاظ ، أو تعدد لسياقات الحديث ، ولم يكن في ذلك ما يدعو للتشكك في منزلتها
، أو القلق من حفظها ، أو التردد والخلاف في حجيتها وحاجة الناس إليها ، على كثرة
ما اختلف الناس وتنازعوا في المسائل العلمية والعملية.
يقول العلامة الشيخ عبد
الغني عبد الخالق ـ رحمه الله ـ :
" لا نجد في كتب الغزالي والآمدي والبزدوي ،
وجميع من اتبع طرقهم في التأليف من الأصوليين ، تصريحا ولا تلويحا بأن في هذه
المسألة خلافا ، وهم الذين استقصوا كتب السابقين ومذاهبهم ، وتتبعوا الاختلافات ،
حتى الشاذة منها ، واعتنوا بالرد عليها أشد الاعتناء"
ثم نقل عن صاحب
المُسَلَّم ، وشارحه : " أن حجية الكتاب والسنة والإجماع والقياس : من علم الكلام ،
لكن تعرض الأصولي لحجية الإجماع والقياس ، لأنهما كثر التشغيب فيهما من الحمقى ، من
الخوارج والروافض ( خذلهم الله تعالى ) ، وأما حجية الكتاب والسنة : فمتفق عليها
عند الأمة ، ممن يدعي التدين كافة ، فلا حاجة إلى الذكر " انتهى .
انظر : حجية
السنة ( 248-249) .
وانظر : إجابة السؤال (93111)
الإسلام سؤال
وجواب
وجواب
hicham
مسؤول ادارة المنتدى
مصمم خاص للمنتدى-
عدد المساهمات : 728
نقاط : 10432
تاريخ التسجيل : 25/01/2009
الموقع : www.alokab.alafdal.net
مواضيع مماثلة
» السنة النبوية الصحيحة وحي من الله
» الشمائل النبوية آثار وأخبار
» من المصادر الأصلية للسيرة النبوية: الحديث النبوي الشريف
» " هل سنة النبى الصحيحة تكفل الله بحفظها مثل القران الكريم ؟؟؟
» من الأحاديث الصحيحة الواردة في ذم الأسواق
» الشمائل النبوية آثار وأخبار
» من المصادر الأصلية للسيرة النبوية: الحديث النبوي الشريف
» " هل سنة النبى الصحيحة تكفل الله بحفظها مثل القران الكريم ؟؟؟
» من الأحاديث الصحيحة الواردة في ذم الأسواق
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى