الحلقة (2) تاريخ علم الحديث دراية
صفحة 1 من اصل 1
الحلقة (2) تاريخ علم الحديث دراية
الحلقة (2) تاريخ علم الحديث دراية
إن أئمة الحديث عُنُوا به عناية فائقة من ناحية حفظه، وضبطه، وتدوينه، وتأليف الكتب الجامعة لمتونه. وقد بدأت هذه العناية من لدن عصر النبي- صلى الله عليه وسلم-. فقد كتبه بعض الصحابة في عهده، وبعد عهده، وكتبه التابعون، وإن كان بدء التدوين مدونا عاما كان من أول القرن الثاني. ثم لم تلبث حركة التدوين أن ازدهرت شيئًا فشيئاً. وما كاد ينتهي القرن الثالث حتى كانت السنن، والمسانيد، وغيرها، ولم يبق منها إلا شيء أقل من القليل، كما ستعلم ذلك فيما بعد إن شاء الله .
كذلك عُنُوا به من نواح أخرى، من جهة سنده ومتنه، مما يتوقف عليه قبوله أورده.
ولعمر الحق أن البحث عنه من هذه النواحي لبحث جليل القدر، جم الفائدة، إذ يتوقف عليه تمييز الطيب من الخبيث. وتطهير الأحاديث مما عسى أن يكون دخلها من التزيد والاختلاق. وتلك النواحي التي بحثوا فيها مثل البحث في الرواية، وشروطها، وأقسامها. والتحمل والأداء، والبحث عن أحوال الرواة من جرح وتعديل، وقواعد كلٍ, وبيان الصحيح من الحسن من الضعيف، وأقسام كلٍ. وبيان غريب الحديث، وناسخه، ومنسوخة ، ومختلفه، ومتعارضه، وعلله، إلى غير ذلك مما ذخرت به كتب أصول الحديث.
قبل عصر التدوين:
م تكن مباحث هذا الفن وقواعده قبل عصر التدوين مدونة في السطور، وإنما كانت منقوشة في الصدور، وعلى صفحات القلوب، شأنها في ذلك شأن معظم الأحاديث قبل التدوين. وما كان رواة الأحاديث والجامعون له بغائبة عنهم أصول هذا الفن وقواعده، بل كانوا يعرفونها حق المعرفة، فكان وجودها في الأذهان، وإن لم توجد في الأعيان. وليس أدل على هذا مما نقل إلينا من التثبت البالغ، والتحوط الشديد في قبول الرواية، والعمل بها، والتحرج من الإكثار من الرواية، خشية الغلط أو النسيان، أو التزيد والوضع. وقد وضع أساس هذا التثبت الخلفاء الراشدون المهديون، ومن جاء بعدهم من أئمة العلم والحديث .
بعد عصر التدوين:
ولما دونت الأحاديث تدوينًا عامًا، ودونت كتب أخرى في علوم أخرى؛ وجدنا كثيرًا من قواعد هذا العلم وأصوله مفرقة في أثناء كتبهم المؤلفة في متون الأحاديث, أو المؤلفة في الفقه وأصوله. فمن ذلك ما نجده في أثناء مباحث كتابي "الرسالة "، و" الأم " للإمام الشافعي المتوفى سنة 204هــ ، وما نقله تلاميذ الإمام أحمد بن حنبل المتوفى سنة 241هــ في أسئلتهم له ومحاورتهم معه، وما كتبه الإمام مسلم بن الحجاج المتوفى سنة 261هــ في مقدمة صحيحه. وهي مقدمة قيمة، وتعتبر من المحاولات الجِدّية في تدوين هذا العلم. ولولا أنها مقدمة للصحيح لاعتبرتها أول ما دون في أصول الحديث والرواية بالمعنى الفني الدقيق. وما ذكره الإمام أبو داود السجستاني المتوفى سنة 275هـ في رسالته إلى أهل مكة في بيان طريقته في كتابه "السنن " المشهور. وما ذكره الإمام أبو عيسى الترمذي المتوفى سنة 279هــ في ثنايا كتابه الجامع، من تصحيح للأحاديث، وتحسين، وتضعيف، ونقد للرواة، وتعديل وتجريح، وما أثبته في كتاب "العلل" الذي هو في آخر جامعه. وكتابه "العلل" الذي ألفه على سبيل الاستقلال.
وما ذكره الإمام البخاري في تواريخه الثلاثة. وما ذكره الأئمة المتقدمون في كتبهم التي وضعت في الجرح والتعديل، وتاريخ الرجال، بحيث يلخص لنا من كل ما ذكرنا كثيرًا من قواعد هذا العلم، وما ذكره أثناء كتابه " الجامع الصحيح " من بعض مسائل هذا العلم.
تدوين بعض الكتب المستقلة في بعض أنواعه:
كذلك ألفت كتب كثيرة في بعض أنواعه، فمنهم من أفرد بالتأليف غريب الحديث، كما فعل " أبو عبيدة معمر بن المثنى" المتوفى سنة 210هــ،" وأبو عبيد القاسم بن سلام" المتوفى سنة 224هــ، " وابن قتيبة عبد الله بن مسلم الدينوري" المتوفى سنة 276هــ ،" وأبو عبيد أحمد بن محمد الهروي" المتوفى سنة إحدى وأربعمائة له كتاب "الغريبين " غريب القرآن، وغريب الحديث ." وأبو القاسم جار الله محمود بن عمر الزمخشري" المتوفى سنة 538هــ ، " وأبو السعادات المبارك بن محمد بن الأثير الجزري" المتوفى سنة 606هــ في كتابه "النهاية"، وهو أوفى كتب الغريب وأشملها .
ومنهم من أفرد بالتأليف البحث عن أحوال الرجال، وهي كثيرة : منها ما ألف في الثقات كـ " كتاب أبي حاتم محمد بن حبان البستي"، ومنها ما ألف في الضعفاء كـ "كتاب الضعفاء " للبخاري، والنسائي، والدارقطني. ومنها ما ألف فيما هو مشترك بينهما كـ "تواريخ البخاري ", و" الجرح والتعديل " لابن أبي حاتم، و" الطبقات " لابن سعد.
ومنهم من أفرد بالتأليف الناسخ والمنسوخ. وذلك كما فعل " قتادة بن دعامة السدوسي " المتوفى سنة 118هــ، والحافظ " أبو بكر أحمد بن محمد بن الأثرم " المتوفى سنة 261هــ .
ومنهم من ألف في مختلف الأحاديث كما فعل " الإمام الشافعي "، و " ابن قتيبة الدينوري". وممن ألف في مختلف الحديث كما فعل الإمام " أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الأزدي المصري الطحاوي " المتوفى سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة، وهو كتابه القيم " مشكل الآثار " .
ومنهم من ألف في علل الحديث مثل : " علي بن المديني " المتوفى سنة 234هـ، والإمام " عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي " المتوفى سنة 327هـــ ، والإمام " الدارقطني " المتوفى سنة 385هـ .
التدوين في هذا العلم كفن مستقل:
ثم رأى بعض أئمة الحديث أن يجمعوا ما تفرق من بحوث هذا العلم في كتاب واحد يكون جامعاً لأصول هذا الفن. ورؤوس مسائله، لا لجميع جزئياته ومباحثه. فمن ثَمَّ جاءت كتب هذا الفن كفهارس بالنسبة لما تفرق من تلك الكتب التي تكون مكتبة عامرة.
مواضيع مماثلة
» الحلقة (4) تعريف علوم الحديث
» الحلقة (1) تاريخ تدوينه، وأشهر المؤلفات فيه
» الحديث القدسي
» طلب علم الحديث
» °l||l° نظرة في تاريخ العقيدة°l||l°
» الحلقة (1) تاريخ تدوينه، وأشهر المؤلفات فيه
» الحديث القدسي
» طلب علم الحديث
» °l||l° نظرة في تاريخ العقيدة°l||l°
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى