صِفَةُ رِوَايَةِ الْحَدِيثِ
2 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
صِفَةُ رِوَايَةِ الْحَدِيثِ
صِفَةُ رِوَايَةِ الْحَدِيثِ
قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ:
شَدَّدَ قَوْمٌ فِي الرِّوَايَةِ، فَاشْتَرَطَ بَعْضُهُمْ أَنْ تَكُونَ
الرِّوَايَةُ مِنْ حِفْظِ الرَّاوِي أَوْ تَذَكُّرِهِ، وَحَكَاهُ عَنْ مَالِكٍ،
وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَأَبِي بَكْرٍ الصَّيْدَلَانِيِّ المَرْوَزِيِّ
(الشَّافِعِيِّ) .
وَاكْتَفَى آخَرُونَ، وَهُمْ
الْجُمْهُورُ، بِثُبُوتِ سَمَاعِ الرَّاوِي لِذَلِكَ الَّذِي يَسْمَعُ عَلَيْهِ،
وَإِنْ كَانَ بِخَطِّ غَيْرِهِ، وَإِنْ غَابَتْ عَنْهُ النُّسْخَةُ، إِذَا كَانَ
الْغَالِبُ عَلَى الظَّنِّ سَلَامَتَهَا مِنَ التَّبْدِيلِ وَالتَّغْيِيرِ
.
وَتَسَاهَلَ آخَرُونَ فِي
الرِّوَايَةِ مِنْ نُسَخٍ لَمْ تُقَابَلْ، بِمُجَرَّدِ قَوْلِ الطَّالِبِ "هَذَا
مِنْ رِوَايَتِكَ" مِنْ غَيْرِ تَثَبُّتٍ، وَلَا نَظَرٍ فِي النُّسْخَةِ، وَلَا
تَفَقُّدِ طَبَقَةِ سَمَاعِهِ .
قَالَ وَقَدْ عَدَّهُمْ
الْحَاكِمُ فِي طَبَقَاتِ الْمَجْرُوحِينَ .
(فَرْعٌ) قَالَ الْخَطِيبُ
الْبَغْدَادِيُّ
وَالسَّمَاعُ عَلَى الضَّرِيرِ أَوْ
الْبَصِيرِ الْأُمِّيِّ، إِذَا كَانَ مُثْبَتًا بِخَطِّ غَيْرِهِ أَوْ قَوْلِهِ
فِيهِ خِلَافٌ بَيْنَ النَّاسِ فَمِنَ الْعُلَمَاءِ مَنْ مَنَعَ الرِّوَايَةَ عَنْهُمْ، وَمِنْهُمْ مَنْ
أَجَازَهَا .
(فَرْعٌ آخَرُ) إِذَا رَوَى
كِتَابًا، كَالْبُخَارِيِّ مَثَلًا، عَنْ شَيْخٍ، ثُمَّ وَجَدَ نُسْخَةً بِهِ
لَيْسَتْ مُقَابَلَةً عَلَى أَصْلِ شَيْخِهِ، أَوْ لَمْ يَجِدْ أَصْلَ سَمَاعِهِ
فِيهَا عَلَيْهِ، لَكِنَّهُ تَسْكُنُ نَفْسُهُ إِلَى صِحَّتِهَا، فَحَكَى
الْخَطِيبُ عَنْ عَامَّةِ أَهْلِ الْحَدِيثِ أَنَّهُمْ مَنَعُوا مِنَ الرِّوَايَةِ
بِذَلِكَ، وَمِنْهُمْ الشَّيْخُ أَبُو نَصْرٍ بْنُ الصَّبَّاغِ الْفَقِيهُ،
وَحُكِيَ عَنْ أَيُّوبَ وَمُحَمَّدِ بْنِ بَكْرٍ البُرْسَانِيِّ أَنَّهُمَا
رَخَّصَا فِي ذَلِكَ .
(قُلْتُ) وَإِلَى هَذَا
أَجْنَحُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
وَقَدْ تَوَسَّطَ الشَّيْخُ تَقِيٌّ
الدِّينِ ابْنُ الصَّلَاحِ فَقَالَ إِنْ كَانَتْ لَهُ مِنْ شَيْخِهِ إِجَازَةً
جَازَتْ رِوَايَتُهُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ.
(فَرْعٌ آخَرُ) إِذَا
اخْتَلَفَ الْحَافِظُ وَكِتَابُهُ فَإِنْ كَانَ اعْتِمَادُهُ فِي حِفْظِهِ عَلَى
كِتَابِهِ فَلْيَرْجِعْ إِلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِهِ فَلْيَرْجِعْ إِلَى
حِفْظِهِ، وَحَسُنَ أَنْ يُنَبِّهُ عَلَى مَا فِي الْكِتَابِ مَعَ ذَلِكَ، كَمَا
رُوِيَ عَنْ شُعْبَةَ، وَكَذَلِكَ إِذَا خَالَفَهُ غَيْرُهُ مِنَ الْحُفَّاظِ،
فَلْيُنَبِّهْ عَلَى ذَلِكَ عِنْدَ رِوَايَتِهِ كَمَا فَعَلَ سُفْيَانُ
الثَّوْرِيُّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
(فَرْعٌ آخَرُ) لَوْ وَجَدَ
طَبَقَةَ سَمَاعِهِ فِي كِتَابٍ، إِمَّا بِخَطِّهِ أَوْ خَطِّ مَنْ يَثِقُ بِهِ،
وَلَمْ يَتَذَكَّرْ سَمَاعَهُ لِذَلِكَ فَقَدْ حُكِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ
وَبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الْإِقْدَامُ عَلَى
الرِّوَايَةِ، وَالْجَادَّةُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ- وَبِهِ يَقُولُ
مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وَأَبُو يُوسُفَ- الْجَوَازُ، اعْتِمَادًا عَلَى مَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ، وَكَمَا أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ أَنْ
يَتَذَكَّرَ سَمَاعَهُ لِكُلِّ حَدِيثٍ أَوْ ضَبْطَهُ، كَذَلِكَ لَا يُشْتَرَطُ
تَذَكُّرُهُ لِأَصْلِ سَمَاعِهِ .
(فَرْعٌ آخَرُ)
وَأَمَّا رِوَايَتُهُ الْحَدِيثَ بِالْمَعْنَى
فَإِنْ كَانَ الرَّاوِي غَيْرَ
عَالِمٍ وَلَا عَارِفٍ بِمَا يُحِيلُ الْمَعْنَى، فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا
تَجُوزُ لَهُ رِوَايَتُهُ الْحَدِيثَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ .
وَأَمَّا إِنْ كَانَ عَالِمًا
بِذَلِكَ، بَصِيرًا بِالْأَلْفَاظِ وَمَدْلُولَاتِهَا، وَبِالْمُتَرَادِفِ مِنَ
الْأَلْفَاظِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَقَدْ جَوَّزَ ذَلِكَ جُمْهُورُ النَّاسِ سَلَفًا
وَخَلَفًا، وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ، كَمَا هُوَ الْمُشَاهَدُ فِي الْأَحَادِيثِ
الصِّحَاحِ وَغَيْرِهَا، فَإِنَّ الْوَاقِعَةَ تَكُونُ وَاحِدَةً، وَتَجِيءُ
بِأَلْفَاظٍ مُتَعَدِّدَةٍ، مِنْ وُجُوهٍ مُخْتَلِفَةٍ مُتَبَايِنَةٍ .
وَلَمَّا كَانَ هَذَا قَدْ يُوقِعَ
فِي تَغْيِيرِ بَعْضِ الْأَحَادِيثِ، مَنَعَ مِنَ الرِّوَايَةِ بِالْمَعْنَى
طَائِفَةٌ آخَرُونَ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ وَالْفُقَهَاءِ وَالْأُصُولِيِّينَ،
وَشَدَّدُوا فِي ذَلِكَ آكَدَ التَّشْدِيدِ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا
هُوَ الْوَاقِعُ، وَلَكِنْ لَمْ يَتَّفِقْ ذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
وَقَدْ كَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَأَبُو
الدَّرْدَاءِ وَأَنَسٌ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ- يَقُولُونَ إِذَا رَوَوْا
الْحَدِيثَ ـ: "أَوْ نَحْوَ هَذَا"، أَوْ "شَبَهَهُ"، "أَوْ قَرِيبًا مِنْهُ".
(فَرْعٌ آخَرُ) وَهَلْ يَجُوزُ
اخْتِصَارُ الْحَدِيثِ، فَيُحْذَفُ بَعْضُهُ، إِذَا لَمْ يَكُنْ الْمَحْذُوفُ
مُتَعَلِّقًا بِالْمَذْكُورِ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ .
فَالَّذِي عَلَيْهِ صَنِيعُ أَبِي
عَبْدِ اللَّهِ الْبُخَارِيِّ اخْتِصَارُ الْأَحَادِيثِ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمَاكِنِ .
وَأَمَّا مُسْلِمٌ فَإِنَّهُ يَسُوقُ
الْحَدِيثَ بِتَمَامِهِ، وَلَا يَقْطَعُهُ، وَلِهَذَا رَجَّحَهُ كَثِيرٌ مِنْ
حُفَّاظِ الْمَغَارِبَةِ، وَاسْتَرْوَحَ إِلَى شَرْحِهِ آخَرُونَ، لِسُهُولَةِ
ذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَتَفْرِيقِهِ الْحَدِيثَ فِي
أَمَاكِنَ مُتَعَدِّدَةٍ بِحَسَبِ حَاجَتِهِ إِلَيْهِ وَعَلَى هَذَا الْمَذْهَبِ
جُمْهُورُ النَّاسِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا .
قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي
مُخْتَصَرِهِ
(مَسْأَلَةٌ) حَذْفُ بَعْضِ
الْخَبَرِ جَائِزٌ عِنْدَ الْأَكْثَرِ، إِلَّا فِي الْغَايَةِ وَالِاسْتِثْنَاءِ
وَنَحْوِهِ، أَمَّا إِذَا حَذَفَ الزِّيَادَةَ لِكَوْنِهِ شَكَّ فِيهَا، فَهَذَا
سَائِغٌ، كَانَ مَالِكٌ يَفْعَلُ ذَلِكَ كَثِيرًا، بَلْ كَانَ يَقْطَعُ إِسْنَادَ
الْحَدِيثِ إِذَا شَكَّ فِي وَصْلِهِ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ أَنْقِصْ الْحَدِيثَ وَلَا
تَزِدْ فِيهِ.
(فَرْعٌ آخَرُ) يَنْبَغِي
لِطَالِبِ الْحَدِيثِ أَنْ يَكُونَ عَارِفًا بِالْعَرَبِيَّةِ قَالَ الْأَصْمَعِيُّ
"أَخْشَى عَلَيْهِ إِذَا لَمْ يَعْرِفْ الْعَرَبِيَّةَ أَنْ يَدْخُلَ فِي قَوْلِهِ
مَنْ كَذَبَ عَلِيٍّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ
النَّارِ فَإِنَّ النَّبِيَّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمْ يَكُنْ يَلْحَنُ، فَمَهْمَا رَوَيْتَ
عَنْهُ، وَلَحَنْتَ فِيهِ كَذَبْتَ عَلَيْهِ .
وَأَمَّا التَّصْحِيفُ، فَدَوَاؤُهُ
أَنْ يَتَلَقَّاهُ مِنْ أَفْوَاهِ الْمَشَايِخِ الضَّابِطِينَ وَاللَّهُ
وَالْمُوَفِّقُ .
وَأَمَّا إِذَا لَحَنَ الشَّيْخُ،
فَالصَّوَابُ أَنْ يَرْوِيَهُ السَّامِعُ عَلَى الصَّوَابِ، وَهُوَ مَحْكِيٌّ عَنِ
الْأَوْزَاعِيِّ، وَابْنِ الْمُبَارَكِ، وَالْجُمْهُورِ وَحُكِيَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ وَأَبِي مَعْمَرٍ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَخْبَرَةَ
أَنَّهُمَا قَالَا يَرْوِيهِ كَمَا سَمِعَهُ مِنَ الشَّيْخِ مَلْحُونًا قَالَ ابْنُ
الصَّلَاحِ وَهَذَا غُلُوٌّ فِي مَذْهَبِ اتِّبَاعِ اللَّفْظِ .
وَعَنِ الْقَاضِي عِيَاضٍ أَنَّ
الَّذِي اسْتَمَرَّ عَلَيْهِ عَمَلُ أَكْثَرِ الْأَشْيَاخِ أَنْ يَنْقُلُوا
الرِّوَايَةَ كَمَا وَصَلَتْ إِلَيْهِمْ، وَلَا يُغَيِّرُوهَا فِي كُتُبِهِمْ،
حَتَّى فِي أَحْرُفٍ مِنَ الْقُرْآنِ، اسْتَمَرَّتْ الرِّوَايَةُ فِيهَا عَلَى
خِلَافِ التِّلَاوَةِ، وَمِنْ غَيْرِ أَنْ يَجِيءَ ذَلِكَ فِي الشَّوَاذِّ، كَمَا
وَقَعَ فِي الصَّحِيحِ وَالْمُوَطَّأِ .
لَكِنَّ أَهْلَ الْمَعْرِفَةِ مِنْهُ
يُنَبِّهُونَ عَلَى ذَلِكَ عِنْدَ السَّمَاعِ وَفِي الْحَوَاشِي، وَمِنْهُمْ مَنْ
جَسَرَ عَلَى تَغْيِيرِ الْكُتُبِ وَإِصْلَاحِهَا، مِنْهُمْ أَبُو الْوَلِيدِ
هِشَامُ بْنُ أَحْمَدَ الْكِنَانِيُّ الْوَقْشِيُّ، لِكَثْرَةِ مُطَالَعَتِهِ
وَافْتِنَانِهِ قَالَ وَقَدْ غَلِطَ فِي أَشْيَاءَ مِنْ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ
غَيْرُهُ مِمَّنْ سَلَكَ مَسْلَكَهُ .
قَالَ وَالْأَوْلَى سَدُّ
بَابِ التَّغْيِيرِ وَالْإِصْلَاحِ، لِئَلَّا يَجْسُرَ عَلَى ذَلِكَ مَنْ لَا
يُحْسِنُ، وَيُنَبِّهَ عَلَى ذَلِكَ عِنْدَ السَّمَاعِ .
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ
بْنِ حَنْبَلٍ أَنَّ أَبَاهُ كَانَ يُصْلِحُ اللَّحْنَ الْفَاحِشَ، وَيَسْكُتُ عَنِ
الْخَفِيِّ السَّهْلِ .
(قُلْتُ) وَمِنْ النَّاسِ
(مَنْ) إِذَا سَمِعَ الْحَدِيثَ مَلْحُونًا عَنْ الشَّيْخِ تَرَكَ رِوَايَتَهُ;
لِأَنَّهُ إِنْ تَبِعَهُ فِي ذَلِكَ، فَالنَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- لَمْ يَكُنْ يَلْحَنُ فِي كَلَامِهِ، وَإِنْ رَوَاهُ عَنْهُ عَلَى
الصَّوَابِ، فَلَمْ يَسْمَعْهُ مِنْهُ كَذَلِكَ.
(فَرْعٌ) وَإِذَا سَقَطَ مِنَ
السَّنَدِ أَوْ الْمَتْنِ مَا هُوَ مَعْلُومٌ، فَلَا بَأْسَ بِإِلْحَاقِهِ، وَكَذَلِكَ إِذَا انْدَرَسَ بَعْضُ الْكِتَابِ، فَلَا
بَأْسَ بِتَجْدِيدِهِ عَلَى الصَّوَابِ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ -تَعَالَى- وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ
.
(فَرْعٌ آخَرُ) وَإِذَا رُوِيَ
الْحَدِيثُ عَنْ شَيْخَيْنِ فَأَكْثَرَ، وَبَيْنَ أَلْفَاظِهِمْ تَبَايُنٌ فَإِنْ
رَكَّبَ السِّيَاقَ مِنَ الْجَمِيعِ، كَمَا فَعَلَ الزُّهْرِيُّ فِي حَدِيثِ
الْإِفْكِ، حِينَ رَوَاهُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَعُرْوَةَ وَغَيْرِهِمَا
عَنْ عَائِشَةَ، وَقَالَ "كُلُّ حَدَّثَنِي طَائِفَةٌ مِنَ الْحَدِيثِ، فَدَخَلَ
حَدِيثُ بَعْضِهِمْ فِي بَعْضٍ" وَسَاقَهُ بِتَمَامِهِ، فَهَذَا سَائِغٌ، فَإِنَّ
الْأَئِمَّةَ قَدْ تَلَقَّوْهُ بِالْقَبُولِ، وَخَرَّجُوهُ فِي كُتُبِهِمْ
الصِّحَاحِ وَغَيْرِهَا .
وَلِلرَّاوِي أَنْ يُبَيِّنَ كُلَّ
وَاحِدَةٍ مِنْهَا عَنِ الْأُخْرَى، وَيَذْكُرَ مَا فِيهَا مِنْ زِيَادَةٍ
وَنُقْصَانٍ، وَتَحْدِيثٍ وَإِخْبَارٍ وَإِنْبَاءٍ وَهَذَا مِمَّا يُعْنَى بِهِ
مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ، وَيُبَالِغُ فِيهِ، وَأَمَّا الْبُخَارِيُّ فَلَا
يُعَرِّجُ عَلَى ذَلِكَ وَلَا يَلْتَفِتُ إِلَيْهِ، وَرُبَّمَا تَعَاطَاهُ فِي
بَعْضِ الْأَحَايِينِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، وَهُوَ نَادِرٌ .
(فَرْعٌ آخَرُ) وَتَجُوزُ
الزِّيَادَةُ فِي نَسَبِ الرَّاوِي، إِذَا بَيَّنَ أَنَّ الزِّيَادَةَ مِنْ
عِنْدِهِ وَهَذَا مَحْكِيٌّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَجُمْهُورِ
الْمُحَدِّثِينَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
(فَرْعٌ آخَرُ) جَرَتْ عَادَةُ
الْمُحَدِّثِينَ إِذَا قَرَءُوا يَقُولُونَ أَخْبَرَنَا فُلَانٌ، قَالَ
أَخْبَرَنَا فُلَانٌ، قَالَ أَخْبَرَنَا فُلَانٌ"، وَمِنْهُمْ مَنْ
يَحْذِفُ لَفْظَةَ "قَالَ"، وَهُوَ سَائِغٌ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ .
وَمَا كَانَ مِنَ الْأَحَادِيثِ
بِإِسْنَادٍ وَاحِدٍ، كَنُسْخَةِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَمُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِي
سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَعَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ
جَدِّهِ، وَبَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ،
فَلَهُ إِعَادَةُ الْإِسْنَادِ عِنْدَ كُلِّ حَدِيثٍ، وَلَهُ أَنْ يَذْكُرَ
الْإِسْنَادَ عِنْدَ أَوَّلِ حَدِيثٍ مِنْهَا، ثُمَّ يَقُولُ "وَبِالْإِسْنَادِ"
أَوْ "وَبِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ
كَذَا وَكَذَا"، ثُمَّ لَهُ أَنْ يَرْوِيَهُ كَمَا سَمِعَهُ، وَلَهُ أَنْ
يَذْكُرَ عِنْدَ كُلِّ حَدِيثٍ الْإِسْنَادَ .
[b](قُلْتُ) وَالْأَمْرُ فِي
هَذَا قَرِيبٌ سَهْلٌ يَسِيرٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
وَأَمَّا إِذَا قَدَّمَ ذِكْرَ
الْمَتْنِ عَلَى الْإِسْنَادِ كَمَا إِذَا قَالَ "قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَذَا وَكَذَا" ثُمَّ قَالَ
"أَخْبَرَنَا بِهِ"، وَأَسْنَدَهُ فَهَلْ لِلرَّاوِي عَنْهُ أَنْ يُقَدِّمَ
الْإِسْنَادَ أَوْ لَا وَيُتْبِعَهُ بِذِكْرِ مَتْنِ الْحَدِيثِ؟ فِيهِ خِلَافٌ،
ذَكَرَهُ الْخَطِيبُ ابْنُ الصَّلَاحِ .
وَالْأَشْبَهُ عِنْدِي جَوَازُ
ذَلِكَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَلِهَذَا يُعِيدُ مُحَدِّثُو زَمَانِنَا إِسْنَادَ
الشَّيْخِ بَعْدَ فَرَاغِ الْخَبَرِ; لِأَنَّ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَسْمَعُ مِنْ
أَثْنَائِهِ بِفَوْتٍ، فَيَتَّصِلُ لَهُ سَمَاعُ ذَلِكَ مِنَ الشَّيْخِ، وَلَهُ
رِوَايَتُهُ عَنْهُ كَمَا يَشَاءُ، مِنْ تَقْدِيمِ إِسْنَادِهِ وَتَأْخِيرِهِ
وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
[b](فَرْعٌ) إِذَا رَوَى حَدِيثًا
بِسَنَدِهِ، ثُمَّ أَتْبَعَهُ بِإِسْنَادٍ لَهُ آخَرَ، وَقَالَ فِي آخِرِهِ
"مِثْلَهُ" أَوْ "نَحْوَهُ"، وَهُوَ ضَابِطٌ مُحَرِّرٌ، فَهَلْ يَجُوزُ رِوَايَتُهُ
لَفْظَ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ بِإِسْنَادِ الثَّانِي؟ قَالَ شُعْبَةُ لَا، وَقَالَ
الثَّوْرِيُّ نَعَمْ، حَكَاهُ وَكِيعٌ، وَقَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ يَجُوزُ فِي قَوْلِهِ
"مِثْلَهُ"، وَلَا يَجُوزُ فِي "نَحْوِهِ" .
قَالَ الْخَطِيبُ إِذَا قِيلَ
بِالرِّوَايَةِ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى فَلَا فَرْقَ بَيْنَ قَوْلِهِ "مِثْلَهُ"
أَوْ "نَحْوَهُ"، وَمَعَ هَذَا أَخْتَارُ قَوْلَ ابْنِ مَعِينٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
.
أَمَّا إِذَا أَوْرَدَ السَّنَدَ
وَذَكَرَ بَعْضَ الْحَدِيثِ ثُمَّ قَالَ "الْحَدِيثَ"، أَوْ "الْحَدِيثَ
بِتَمَامِهِ"، أَوْ "بِطُولِهِ" أَوْ "إِلَى آخِرِهِ"، كَمَا جَرَتْ بِهِ عَادَةُ
كَثِيرٍ مِنَ الرُّوَاةِ فَهَلْ لِلسَّامِعِ أَنَّ يَسُوقُ الْحَدِيثَ بِتَمَامِهِ
عَلَى هَذَا الْإِسْنَادِ؟ رَخَّصَ فِي ذَلِكَ بَعْضُهُمْ، وَمَنَعَ مِنْهُ
آخَرُونَ، مِنْهُمْ الْأُسْتَاذ أَبُو إِسْحَاقَ الْإِسْفَرَايِينِيُّ الْفَقِيهُ
الْأُصُولِيُّ، وَسَأَلَ أَبُو بَكْرٍ البُرْقَانِيُّ شَيْخَهُ أَبَا بَكْرٍ
الْإِسْمَاعِيلِيَّ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ إِنْ كَانَ الشَّيْخُ وَالْقَارِئُ
يَعْرِفَانِ الْحَدِيثَ فَأَرْجُو أَنْ يَجُوزَ ذَلِكَ، وَالْبَيَانُ أَوْلَى
.
قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ (قُلْتُ)
وَإِذَا جَوَّزْنَا ذَلِكَ، فَالتَّحْقِيقُ أَنَّهُ يَكُونُ بِطَرِيقِ
الْإِجَازَةِ الْأَكِيدَةِ الْقَوِيَّةِ .
وَيَنْبَغِي أَنْ يُفَصَّلَ،
فَيُقَالُ إِنْ كَانَ قَدْ سَمِعَ الْحَدِيثَ الْمُشَارَ إِلَيْهِ قَبْلَ ذَلِكَ
عَلَى الشَّيْخِ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ أَوْ فِي غَيْرِهِ، فَتَجُوزُ
الرِّوَايَةِ، وَتَكُونُ الْإِشَارَةُ إِلَى شَيْءٍ قَدْ سَلَفَ بَيَانُهُ
وَتَحَقَّقَ سَمَاعُهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
إِبْدَالُ لَفْظِ "الرَّسُولِ"
"بِالنَّبِيِّ" أَوْ "النَّبِيِّ" "بِالرَّسُولِ" قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ
الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ، وَإِنْ جَازَتْ الرِّوَايَةُ بِالْمَعْنَى،
يَعْنِي لِاخْتِلَافِ مَعْنَيَيْهِمَا، وَنَقَلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
أَحْمَدَ أَنَّ أَبَاهُ كَانَ يُشَدِّدُ فِي ذَلِكَ فَإِذَا كَانَ فِي الْكِتَابِ
"النَّبِيِّ" فَكَتَبَ الْمُحَدِّثُ "رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-" ضَرَبَ عَلَى "رَسُولُ"، وَكَتَبَ "النَّبِيُّ" قَالَ الْخَطِيبُ
وَهَذَا مِنْهُ اسْتِحْبَابٌ، فَإِنَّ مَذْهَبَهُ التَّرْخِيصُ فِي ذَلِكَ
.
[b]قَالَ صَالِحٌ سَأَلْتُ أَبِي
عَنْ ذَلِكَ؟ فَقَالَ أَرْجُو أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ .
وَرُوِيَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ
أَنَّ عَفَّانَ وَبَهْزًا كَانَا يَفْعَلَانِ ذَلِكَ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ
لَهُمَا أَمَّا أَنْتُمَا فَلَا تَفْقَهَانِ أَبَدًا!!. .
(الرِّوَايَةُ فِي حَالِ
الْمُذَاكَرَةِ) هَلْ تَجُوزُ الرِّوَايَةُ بِهَا؟ حَكَى ابْنُ الصَّلَاحِ عَنِ
ابْنِ مَهْدِيٍّ، وَابْنِ الْمُبَارَكِ وَأَبِي زُرْعَةَ، الْمَنْعَ مِنَ
التَّحْدِيثِ بِهَا، لِمَا يَقَعُ فِيهَا مِنَ الْمُسَاهَلَةِ، وَالْحِفْظُ
خَوَّانٌ .
قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ:
وَلِهَذَا امْتَنَعَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَعْلَامِ الْحُفَّاظِ مِنْ رِوَايَةِ مَا
يَحْفَظُونَهُ إِلَّا مِنْ كُتُبِهِمْ، مِنْهُمْ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلَ قَالَ
فَإِذَا حَدَّثَ بِهَا فَلْيَقُلْ "حَدَّثَنَا فُلَانٌ مُذَاكَرَةً"، أَوْ "فِي
الْمُذَاكَرَةِ"، وَلَا يُطْلِقُ ذَلِكَ، فَيَقَعُ فِي نَوْعٍ مِنَ التَّدْلِيسِ
وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
وَإِذَا كَانَ الْحَدِيثُ عَنِ
اثْنَيْنِ، جَازَ ذِكْرُ ثِقَةٍ مِنْهُمَا وَإِسْقَاطُ الْآخَرِ، ثِقَةً كَانَ أَوْ
ضَعِيفًا وَهَذَا صَنِيعُ مُسْلِمٍ فِي ابْنِ لَهِيعَةَ غَالِبًا وَأَمَّا أَحْمَدُ
بْنُ حَنْبَلَ فَلَا يُسْقِطُهُ، بَلْ يَذْكُرُهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
جامع شيخ الاسلام بن
تيمية[/b][/b][/b]
قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ:
شَدَّدَ قَوْمٌ فِي الرِّوَايَةِ، فَاشْتَرَطَ بَعْضُهُمْ أَنْ تَكُونَ
الرِّوَايَةُ مِنْ حِفْظِ الرَّاوِي أَوْ تَذَكُّرِهِ، وَحَكَاهُ عَنْ مَالِكٍ،
وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَأَبِي بَكْرٍ الصَّيْدَلَانِيِّ المَرْوَزِيِّ
(الشَّافِعِيِّ) .
وَاكْتَفَى آخَرُونَ، وَهُمْ
الْجُمْهُورُ، بِثُبُوتِ سَمَاعِ الرَّاوِي لِذَلِكَ الَّذِي يَسْمَعُ عَلَيْهِ،
وَإِنْ كَانَ بِخَطِّ غَيْرِهِ، وَإِنْ غَابَتْ عَنْهُ النُّسْخَةُ، إِذَا كَانَ
الْغَالِبُ عَلَى الظَّنِّ سَلَامَتَهَا مِنَ التَّبْدِيلِ وَالتَّغْيِيرِ
.
وَتَسَاهَلَ آخَرُونَ فِي
الرِّوَايَةِ مِنْ نُسَخٍ لَمْ تُقَابَلْ، بِمُجَرَّدِ قَوْلِ الطَّالِبِ "هَذَا
مِنْ رِوَايَتِكَ" مِنْ غَيْرِ تَثَبُّتٍ، وَلَا نَظَرٍ فِي النُّسْخَةِ، وَلَا
تَفَقُّدِ طَبَقَةِ سَمَاعِهِ .
قَالَ وَقَدْ عَدَّهُمْ
الْحَاكِمُ فِي طَبَقَاتِ الْمَجْرُوحِينَ .
(فَرْعٌ) قَالَ الْخَطِيبُ
الْبَغْدَادِيُّ
وَالسَّمَاعُ عَلَى الضَّرِيرِ أَوْ
الْبَصِيرِ الْأُمِّيِّ، إِذَا كَانَ مُثْبَتًا بِخَطِّ غَيْرِهِ أَوْ قَوْلِهِ
فِيهِ خِلَافٌ بَيْنَ النَّاسِ فَمِنَ الْعُلَمَاءِ مَنْ مَنَعَ الرِّوَايَةَ عَنْهُمْ، وَمِنْهُمْ مَنْ
أَجَازَهَا .
(فَرْعٌ آخَرُ) إِذَا رَوَى
كِتَابًا، كَالْبُخَارِيِّ مَثَلًا، عَنْ شَيْخٍ، ثُمَّ وَجَدَ نُسْخَةً بِهِ
لَيْسَتْ مُقَابَلَةً عَلَى أَصْلِ شَيْخِهِ، أَوْ لَمْ يَجِدْ أَصْلَ سَمَاعِهِ
فِيهَا عَلَيْهِ، لَكِنَّهُ تَسْكُنُ نَفْسُهُ إِلَى صِحَّتِهَا، فَحَكَى
الْخَطِيبُ عَنْ عَامَّةِ أَهْلِ الْحَدِيثِ أَنَّهُمْ مَنَعُوا مِنَ الرِّوَايَةِ
بِذَلِكَ، وَمِنْهُمْ الشَّيْخُ أَبُو نَصْرٍ بْنُ الصَّبَّاغِ الْفَقِيهُ،
وَحُكِيَ عَنْ أَيُّوبَ وَمُحَمَّدِ بْنِ بَكْرٍ البُرْسَانِيِّ أَنَّهُمَا
رَخَّصَا فِي ذَلِكَ .
(قُلْتُ) وَإِلَى هَذَا
أَجْنَحُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
وَقَدْ تَوَسَّطَ الشَّيْخُ تَقِيٌّ
الدِّينِ ابْنُ الصَّلَاحِ فَقَالَ إِنْ كَانَتْ لَهُ مِنْ شَيْخِهِ إِجَازَةً
جَازَتْ رِوَايَتُهُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ.
(فَرْعٌ آخَرُ) إِذَا
اخْتَلَفَ الْحَافِظُ وَكِتَابُهُ فَإِنْ كَانَ اعْتِمَادُهُ فِي حِفْظِهِ عَلَى
كِتَابِهِ فَلْيَرْجِعْ إِلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِهِ فَلْيَرْجِعْ إِلَى
حِفْظِهِ، وَحَسُنَ أَنْ يُنَبِّهُ عَلَى مَا فِي الْكِتَابِ مَعَ ذَلِكَ، كَمَا
رُوِيَ عَنْ شُعْبَةَ، وَكَذَلِكَ إِذَا خَالَفَهُ غَيْرُهُ مِنَ الْحُفَّاظِ،
فَلْيُنَبِّهْ عَلَى ذَلِكَ عِنْدَ رِوَايَتِهِ كَمَا فَعَلَ سُفْيَانُ
الثَّوْرِيُّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
(فَرْعٌ آخَرُ) لَوْ وَجَدَ
طَبَقَةَ سَمَاعِهِ فِي كِتَابٍ، إِمَّا بِخَطِّهِ أَوْ خَطِّ مَنْ يَثِقُ بِهِ،
وَلَمْ يَتَذَكَّرْ سَمَاعَهُ لِذَلِكَ فَقَدْ حُكِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ
وَبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الْإِقْدَامُ عَلَى
الرِّوَايَةِ، وَالْجَادَّةُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ- وَبِهِ يَقُولُ
مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وَأَبُو يُوسُفَ- الْجَوَازُ، اعْتِمَادًا عَلَى مَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ، وَكَمَا أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ أَنْ
يَتَذَكَّرَ سَمَاعَهُ لِكُلِّ حَدِيثٍ أَوْ ضَبْطَهُ، كَذَلِكَ لَا يُشْتَرَطُ
تَذَكُّرُهُ لِأَصْلِ سَمَاعِهِ .
(فَرْعٌ آخَرُ)
وَأَمَّا رِوَايَتُهُ الْحَدِيثَ بِالْمَعْنَى
فَإِنْ كَانَ الرَّاوِي غَيْرَ
عَالِمٍ وَلَا عَارِفٍ بِمَا يُحِيلُ الْمَعْنَى، فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا
تَجُوزُ لَهُ رِوَايَتُهُ الْحَدِيثَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ .
وَأَمَّا إِنْ كَانَ عَالِمًا
بِذَلِكَ، بَصِيرًا بِالْأَلْفَاظِ وَمَدْلُولَاتِهَا، وَبِالْمُتَرَادِفِ مِنَ
الْأَلْفَاظِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَقَدْ جَوَّزَ ذَلِكَ جُمْهُورُ النَّاسِ سَلَفًا
وَخَلَفًا، وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ، كَمَا هُوَ الْمُشَاهَدُ فِي الْأَحَادِيثِ
الصِّحَاحِ وَغَيْرِهَا، فَإِنَّ الْوَاقِعَةَ تَكُونُ وَاحِدَةً، وَتَجِيءُ
بِأَلْفَاظٍ مُتَعَدِّدَةٍ، مِنْ وُجُوهٍ مُخْتَلِفَةٍ مُتَبَايِنَةٍ .
وَلَمَّا كَانَ هَذَا قَدْ يُوقِعَ
فِي تَغْيِيرِ بَعْضِ الْأَحَادِيثِ، مَنَعَ مِنَ الرِّوَايَةِ بِالْمَعْنَى
طَائِفَةٌ آخَرُونَ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ وَالْفُقَهَاءِ وَالْأُصُولِيِّينَ،
وَشَدَّدُوا فِي ذَلِكَ آكَدَ التَّشْدِيدِ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا
هُوَ الْوَاقِعُ، وَلَكِنْ لَمْ يَتَّفِقْ ذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
وَقَدْ كَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَأَبُو
الدَّرْدَاءِ وَأَنَسٌ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ- يَقُولُونَ إِذَا رَوَوْا
الْحَدِيثَ ـ: "أَوْ نَحْوَ هَذَا"، أَوْ "شَبَهَهُ"، "أَوْ قَرِيبًا مِنْهُ".
(فَرْعٌ آخَرُ) وَهَلْ يَجُوزُ
اخْتِصَارُ الْحَدِيثِ، فَيُحْذَفُ بَعْضُهُ، إِذَا لَمْ يَكُنْ الْمَحْذُوفُ
مُتَعَلِّقًا بِالْمَذْكُورِ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ .
فَالَّذِي عَلَيْهِ صَنِيعُ أَبِي
عَبْدِ اللَّهِ الْبُخَارِيِّ اخْتِصَارُ الْأَحَادِيثِ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمَاكِنِ .
وَأَمَّا مُسْلِمٌ فَإِنَّهُ يَسُوقُ
الْحَدِيثَ بِتَمَامِهِ، وَلَا يَقْطَعُهُ، وَلِهَذَا رَجَّحَهُ كَثِيرٌ مِنْ
حُفَّاظِ الْمَغَارِبَةِ، وَاسْتَرْوَحَ إِلَى شَرْحِهِ آخَرُونَ، لِسُهُولَةِ
ذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَتَفْرِيقِهِ الْحَدِيثَ فِي
أَمَاكِنَ مُتَعَدِّدَةٍ بِحَسَبِ حَاجَتِهِ إِلَيْهِ وَعَلَى هَذَا الْمَذْهَبِ
جُمْهُورُ النَّاسِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا .
قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي
مُخْتَصَرِهِ
(مَسْأَلَةٌ) حَذْفُ بَعْضِ
الْخَبَرِ جَائِزٌ عِنْدَ الْأَكْثَرِ، إِلَّا فِي الْغَايَةِ وَالِاسْتِثْنَاءِ
وَنَحْوِهِ، أَمَّا إِذَا حَذَفَ الزِّيَادَةَ لِكَوْنِهِ شَكَّ فِيهَا، فَهَذَا
سَائِغٌ، كَانَ مَالِكٌ يَفْعَلُ ذَلِكَ كَثِيرًا، بَلْ كَانَ يَقْطَعُ إِسْنَادَ
الْحَدِيثِ إِذَا شَكَّ فِي وَصْلِهِ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ أَنْقِصْ الْحَدِيثَ وَلَا
تَزِدْ فِيهِ.
(فَرْعٌ آخَرُ) يَنْبَغِي
لِطَالِبِ الْحَدِيثِ أَنْ يَكُونَ عَارِفًا بِالْعَرَبِيَّةِ قَالَ الْأَصْمَعِيُّ
"أَخْشَى عَلَيْهِ إِذَا لَمْ يَعْرِفْ الْعَرَبِيَّةَ أَنْ يَدْخُلَ فِي قَوْلِهِ
مَنْ كَذَبَ عَلِيٍّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ
النَّارِ فَإِنَّ النَّبِيَّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمْ يَكُنْ يَلْحَنُ، فَمَهْمَا رَوَيْتَ
عَنْهُ، وَلَحَنْتَ فِيهِ كَذَبْتَ عَلَيْهِ .
وَأَمَّا التَّصْحِيفُ، فَدَوَاؤُهُ
أَنْ يَتَلَقَّاهُ مِنْ أَفْوَاهِ الْمَشَايِخِ الضَّابِطِينَ وَاللَّهُ
وَالْمُوَفِّقُ .
وَأَمَّا إِذَا لَحَنَ الشَّيْخُ،
فَالصَّوَابُ أَنْ يَرْوِيَهُ السَّامِعُ عَلَى الصَّوَابِ، وَهُوَ مَحْكِيٌّ عَنِ
الْأَوْزَاعِيِّ، وَابْنِ الْمُبَارَكِ، وَالْجُمْهُورِ وَحُكِيَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ وَأَبِي مَعْمَرٍ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَخْبَرَةَ
أَنَّهُمَا قَالَا يَرْوِيهِ كَمَا سَمِعَهُ مِنَ الشَّيْخِ مَلْحُونًا قَالَ ابْنُ
الصَّلَاحِ وَهَذَا غُلُوٌّ فِي مَذْهَبِ اتِّبَاعِ اللَّفْظِ .
وَعَنِ الْقَاضِي عِيَاضٍ أَنَّ
الَّذِي اسْتَمَرَّ عَلَيْهِ عَمَلُ أَكْثَرِ الْأَشْيَاخِ أَنْ يَنْقُلُوا
الرِّوَايَةَ كَمَا وَصَلَتْ إِلَيْهِمْ، وَلَا يُغَيِّرُوهَا فِي كُتُبِهِمْ،
حَتَّى فِي أَحْرُفٍ مِنَ الْقُرْآنِ، اسْتَمَرَّتْ الرِّوَايَةُ فِيهَا عَلَى
خِلَافِ التِّلَاوَةِ، وَمِنْ غَيْرِ أَنْ يَجِيءَ ذَلِكَ فِي الشَّوَاذِّ، كَمَا
وَقَعَ فِي الصَّحِيحِ وَالْمُوَطَّأِ .
لَكِنَّ أَهْلَ الْمَعْرِفَةِ مِنْهُ
يُنَبِّهُونَ عَلَى ذَلِكَ عِنْدَ السَّمَاعِ وَفِي الْحَوَاشِي، وَمِنْهُمْ مَنْ
جَسَرَ عَلَى تَغْيِيرِ الْكُتُبِ وَإِصْلَاحِهَا، مِنْهُمْ أَبُو الْوَلِيدِ
هِشَامُ بْنُ أَحْمَدَ الْكِنَانِيُّ الْوَقْشِيُّ، لِكَثْرَةِ مُطَالَعَتِهِ
وَافْتِنَانِهِ قَالَ وَقَدْ غَلِطَ فِي أَشْيَاءَ مِنْ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ
غَيْرُهُ مِمَّنْ سَلَكَ مَسْلَكَهُ .
قَالَ وَالْأَوْلَى سَدُّ
بَابِ التَّغْيِيرِ وَالْإِصْلَاحِ، لِئَلَّا يَجْسُرَ عَلَى ذَلِكَ مَنْ لَا
يُحْسِنُ، وَيُنَبِّهَ عَلَى ذَلِكَ عِنْدَ السَّمَاعِ .
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ
بْنِ حَنْبَلٍ أَنَّ أَبَاهُ كَانَ يُصْلِحُ اللَّحْنَ الْفَاحِشَ، وَيَسْكُتُ عَنِ
الْخَفِيِّ السَّهْلِ .
(قُلْتُ) وَمِنْ النَّاسِ
(مَنْ) إِذَا سَمِعَ الْحَدِيثَ مَلْحُونًا عَنْ الشَّيْخِ تَرَكَ رِوَايَتَهُ;
لِأَنَّهُ إِنْ تَبِعَهُ فِي ذَلِكَ، فَالنَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- لَمْ يَكُنْ يَلْحَنُ فِي كَلَامِهِ، وَإِنْ رَوَاهُ عَنْهُ عَلَى
الصَّوَابِ، فَلَمْ يَسْمَعْهُ مِنْهُ كَذَلِكَ.
(فَرْعٌ) وَإِذَا سَقَطَ مِنَ
السَّنَدِ أَوْ الْمَتْنِ مَا هُوَ مَعْلُومٌ، فَلَا بَأْسَ بِإِلْحَاقِهِ، وَكَذَلِكَ إِذَا انْدَرَسَ بَعْضُ الْكِتَابِ، فَلَا
بَأْسَ بِتَجْدِيدِهِ عَلَى الصَّوَابِ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ -تَعَالَى- وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ
.
(فَرْعٌ آخَرُ) وَإِذَا رُوِيَ
الْحَدِيثُ عَنْ شَيْخَيْنِ فَأَكْثَرَ، وَبَيْنَ أَلْفَاظِهِمْ تَبَايُنٌ فَإِنْ
رَكَّبَ السِّيَاقَ مِنَ الْجَمِيعِ، كَمَا فَعَلَ الزُّهْرِيُّ فِي حَدِيثِ
الْإِفْكِ، حِينَ رَوَاهُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَعُرْوَةَ وَغَيْرِهِمَا
عَنْ عَائِشَةَ، وَقَالَ "كُلُّ حَدَّثَنِي طَائِفَةٌ مِنَ الْحَدِيثِ، فَدَخَلَ
حَدِيثُ بَعْضِهِمْ فِي بَعْضٍ" وَسَاقَهُ بِتَمَامِهِ، فَهَذَا سَائِغٌ، فَإِنَّ
الْأَئِمَّةَ قَدْ تَلَقَّوْهُ بِالْقَبُولِ، وَخَرَّجُوهُ فِي كُتُبِهِمْ
الصِّحَاحِ وَغَيْرِهَا .
وَلِلرَّاوِي أَنْ يُبَيِّنَ كُلَّ
وَاحِدَةٍ مِنْهَا عَنِ الْأُخْرَى، وَيَذْكُرَ مَا فِيهَا مِنْ زِيَادَةٍ
وَنُقْصَانٍ، وَتَحْدِيثٍ وَإِخْبَارٍ وَإِنْبَاءٍ وَهَذَا مِمَّا يُعْنَى بِهِ
مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ، وَيُبَالِغُ فِيهِ، وَأَمَّا الْبُخَارِيُّ فَلَا
يُعَرِّجُ عَلَى ذَلِكَ وَلَا يَلْتَفِتُ إِلَيْهِ، وَرُبَّمَا تَعَاطَاهُ فِي
بَعْضِ الْأَحَايِينِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، وَهُوَ نَادِرٌ .
(فَرْعٌ آخَرُ) وَتَجُوزُ
الزِّيَادَةُ فِي نَسَبِ الرَّاوِي، إِذَا بَيَّنَ أَنَّ الزِّيَادَةَ مِنْ
عِنْدِهِ وَهَذَا مَحْكِيٌّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَجُمْهُورِ
الْمُحَدِّثِينَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
(فَرْعٌ آخَرُ) جَرَتْ عَادَةُ
الْمُحَدِّثِينَ إِذَا قَرَءُوا يَقُولُونَ أَخْبَرَنَا فُلَانٌ، قَالَ
أَخْبَرَنَا فُلَانٌ، قَالَ أَخْبَرَنَا فُلَانٌ"، وَمِنْهُمْ مَنْ
يَحْذِفُ لَفْظَةَ "قَالَ"، وَهُوَ سَائِغٌ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ .
وَمَا كَانَ مِنَ الْأَحَادِيثِ
بِإِسْنَادٍ وَاحِدٍ، كَنُسْخَةِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَمُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِي
سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَعَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ
جَدِّهِ، وَبَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ،
فَلَهُ إِعَادَةُ الْإِسْنَادِ عِنْدَ كُلِّ حَدِيثٍ، وَلَهُ أَنْ يَذْكُرَ
الْإِسْنَادَ عِنْدَ أَوَّلِ حَدِيثٍ مِنْهَا، ثُمَّ يَقُولُ "وَبِالْإِسْنَادِ"
أَوْ "وَبِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ
كَذَا وَكَذَا"، ثُمَّ لَهُ أَنْ يَرْوِيَهُ كَمَا سَمِعَهُ، وَلَهُ أَنْ
يَذْكُرَ عِنْدَ كُلِّ حَدِيثٍ الْإِسْنَادَ .
[b](قُلْتُ) وَالْأَمْرُ فِي
هَذَا قَرِيبٌ سَهْلٌ يَسِيرٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
وَأَمَّا إِذَا قَدَّمَ ذِكْرَ
الْمَتْنِ عَلَى الْإِسْنَادِ كَمَا إِذَا قَالَ "قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَذَا وَكَذَا" ثُمَّ قَالَ
"أَخْبَرَنَا بِهِ"، وَأَسْنَدَهُ فَهَلْ لِلرَّاوِي عَنْهُ أَنْ يُقَدِّمَ
الْإِسْنَادَ أَوْ لَا وَيُتْبِعَهُ بِذِكْرِ مَتْنِ الْحَدِيثِ؟ فِيهِ خِلَافٌ،
ذَكَرَهُ الْخَطِيبُ ابْنُ الصَّلَاحِ .
وَالْأَشْبَهُ عِنْدِي جَوَازُ
ذَلِكَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَلِهَذَا يُعِيدُ مُحَدِّثُو زَمَانِنَا إِسْنَادَ
الشَّيْخِ بَعْدَ فَرَاغِ الْخَبَرِ; لِأَنَّ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَسْمَعُ مِنْ
أَثْنَائِهِ بِفَوْتٍ، فَيَتَّصِلُ لَهُ سَمَاعُ ذَلِكَ مِنَ الشَّيْخِ، وَلَهُ
رِوَايَتُهُ عَنْهُ كَمَا يَشَاءُ، مِنْ تَقْدِيمِ إِسْنَادِهِ وَتَأْخِيرِهِ
وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
[b](فَرْعٌ) إِذَا رَوَى حَدِيثًا
بِسَنَدِهِ، ثُمَّ أَتْبَعَهُ بِإِسْنَادٍ لَهُ آخَرَ، وَقَالَ فِي آخِرِهِ
"مِثْلَهُ" أَوْ "نَحْوَهُ"، وَهُوَ ضَابِطٌ مُحَرِّرٌ، فَهَلْ يَجُوزُ رِوَايَتُهُ
لَفْظَ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ بِإِسْنَادِ الثَّانِي؟ قَالَ شُعْبَةُ لَا، وَقَالَ
الثَّوْرِيُّ نَعَمْ، حَكَاهُ وَكِيعٌ، وَقَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ يَجُوزُ فِي قَوْلِهِ
"مِثْلَهُ"، وَلَا يَجُوزُ فِي "نَحْوِهِ" .
قَالَ الْخَطِيبُ إِذَا قِيلَ
بِالرِّوَايَةِ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى فَلَا فَرْقَ بَيْنَ قَوْلِهِ "مِثْلَهُ"
أَوْ "نَحْوَهُ"، وَمَعَ هَذَا أَخْتَارُ قَوْلَ ابْنِ مَعِينٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
.
أَمَّا إِذَا أَوْرَدَ السَّنَدَ
وَذَكَرَ بَعْضَ الْحَدِيثِ ثُمَّ قَالَ "الْحَدِيثَ"، أَوْ "الْحَدِيثَ
بِتَمَامِهِ"، أَوْ "بِطُولِهِ" أَوْ "إِلَى آخِرِهِ"، كَمَا جَرَتْ بِهِ عَادَةُ
كَثِيرٍ مِنَ الرُّوَاةِ فَهَلْ لِلسَّامِعِ أَنَّ يَسُوقُ الْحَدِيثَ بِتَمَامِهِ
عَلَى هَذَا الْإِسْنَادِ؟ رَخَّصَ فِي ذَلِكَ بَعْضُهُمْ، وَمَنَعَ مِنْهُ
آخَرُونَ، مِنْهُمْ الْأُسْتَاذ أَبُو إِسْحَاقَ الْإِسْفَرَايِينِيُّ الْفَقِيهُ
الْأُصُولِيُّ، وَسَأَلَ أَبُو بَكْرٍ البُرْقَانِيُّ شَيْخَهُ أَبَا بَكْرٍ
الْإِسْمَاعِيلِيَّ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ إِنْ كَانَ الشَّيْخُ وَالْقَارِئُ
يَعْرِفَانِ الْحَدِيثَ فَأَرْجُو أَنْ يَجُوزَ ذَلِكَ، وَالْبَيَانُ أَوْلَى
.
قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ (قُلْتُ)
وَإِذَا جَوَّزْنَا ذَلِكَ، فَالتَّحْقِيقُ أَنَّهُ يَكُونُ بِطَرِيقِ
الْإِجَازَةِ الْأَكِيدَةِ الْقَوِيَّةِ .
وَيَنْبَغِي أَنْ يُفَصَّلَ،
فَيُقَالُ إِنْ كَانَ قَدْ سَمِعَ الْحَدِيثَ الْمُشَارَ إِلَيْهِ قَبْلَ ذَلِكَ
عَلَى الشَّيْخِ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ أَوْ فِي غَيْرِهِ، فَتَجُوزُ
الرِّوَايَةِ، وَتَكُونُ الْإِشَارَةُ إِلَى شَيْءٍ قَدْ سَلَفَ بَيَانُهُ
وَتَحَقَّقَ سَمَاعُهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
إِبْدَالُ لَفْظِ "الرَّسُولِ"
"بِالنَّبِيِّ" أَوْ "النَّبِيِّ" "بِالرَّسُولِ" قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ
الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ، وَإِنْ جَازَتْ الرِّوَايَةُ بِالْمَعْنَى،
يَعْنِي لِاخْتِلَافِ مَعْنَيَيْهِمَا، وَنَقَلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
أَحْمَدَ أَنَّ أَبَاهُ كَانَ يُشَدِّدُ فِي ذَلِكَ فَإِذَا كَانَ فِي الْكِتَابِ
"النَّبِيِّ" فَكَتَبَ الْمُحَدِّثُ "رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-" ضَرَبَ عَلَى "رَسُولُ"، وَكَتَبَ "النَّبِيُّ" قَالَ الْخَطِيبُ
وَهَذَا مِنْهُ اسْتِحْبَابٌ، فَإِنَّ مَذْهَبَهُ التَّرْخِيصُ فِي ذَلِكَ
.
[b]قَالَ صَالِحٌ سَأَلْتُ أَبِي
عَنْ ذَلِكَ؟ فَقَالَ أَرْجُو أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ .
وَرُوِيَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ
أَنَّ عَفَّانَ وَبَهْزًا كَانَا يَفْعَلَانِ ذَلِكَ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ
لَهُمَا أَمَّا أَنْتُمَا فَلَا تَفْقَهَانِ أَبَدًا!!. .
(الرِّوَايَةُ فِي حَالِ
الْمُذَاكَرَةِ) هَلْ تَجُوزُ الرِّوَايَةُ بِهَا؟ حَكَى ابْنُ الصَّلَاحِ عَنِ
ابْنِ مَهْدِيٍّ، وَابْنِ الْمُبَارَكِ وَأَبِي زُرْعَةَ، الْمَنْعَ مِنَ
التَّحْدِيثِ بِهَا، لِمَا يَقَعُ فِيهَا مِنَ الْمُسَاهَلَةِ، وَالْحِفْظُ
خَوَّانٌ .
قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ:
وَلِهَذَا امْتَنَعَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَعْلَامِ الْحُفَّاظِ مِنْ رِوَايَةِ مَا
يَحْفَظُونَهُ إِلَّا مِنْ كُتُبِهِمْ، مِنْهُمْ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلَ قَالَ
فَإِذَا حَدَّثَ بِهَا فَلْيَقُلْ "حَدَّثَنَا فُلَانٌ مُذَاكَرَةً"، أَوْ "فِي
الْمُذَاكَرَةِ"، وَلَا يُطْلِقُ ذَلِكَ، فَيَقَعُ فِي نَوْعٍ مِنَ التَّدْلِيسِ
وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
وَإِذَا كَانَ الْحَدِيثُ عَنِ
اثْنَيْنِ، جَازَ ذِكْرُ ثِقَةٍ مِنْهُمَا وَإِسْقَاطُ الْآخَرِ، ثِقَةً كَانَ أَوْ
ضَعِيفًا وَهَذَا صَنِيعُ مُسْلِمٍ فِي ابْنِ لَهِيعَةَ غَالِبًا وَأَمَّا أَحْمَدُ
بْنُ حَنْبَلَ فَلَا يُسْقِطُهُ، بَلْ يَذْكُرُهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
جامع شيخ الاسلام بن
تيمية[/b][/b][/b]
hicham
مسؤول ادارة المنتدى
مصمم خاص للمنتدى-
عدد المساهمات : 728
نقاط : 10433
تاريخ التسجيل : 25/01/2009
الموقع : www.alokab.alafdal.net
رد: صِفَةُ رِوَايَةِ الْحَدِيثِ
بارك الله فيك على الموضوع
salim- عضو جديد
-
عدد المساهمات : 16
نقاط : 5416
تاريخ التسجيل : 21/02/2010
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى